اذاعت وكالة الابناء الروسية تعليقا اول امس لكاتبها السياسي اندريه مورتازين عن مرئيات عن اسباب هزيمة
العرب في حرب1967م
هي وجهة نظر للوكالة والكاتب تنقلها الوكاد ولا تمثل لها رأيا
هناك سؤال يتبادر الى أذهان البعض، وهو: هل كان الروس مذنبين في نشوب حرب يونيو 1967، وهزيمة العرب فيها؟ وكمؤرخ ومهتم بشؤون الشرق الأوسط أقول لا، لم يكن الأمر كذلك أبدا.
إن مصر لم تكن جاهزة لتلك الحرب حيث اعترف بهذه الحقيقة بعد مرور 30 عاما الفريق محمد فوزي الذي ترأس أركان حرب القوات المسلحة المصرية آنذاك، الذي قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الأهرام" في عام 1997
إن مصر هزمت في حرب 1967 قبل 10 سنوات من بدايتها. وأضاف أن هيئة الأركان العامة الإسرائيلية أعدت خطة لشن حرب واسعة النطاق على مصر في عام 1957 وأطلقت عليها تسمية "صهيون". ودلت نتائج حرب الأيام الستة على أن إسرائيل نجحت في تنفيذ هذه الخطة.
وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت أسرار الحرب قبل بدايتها والعرب لم يصدقوا بها لم تخف إسرائيل أبدا أنها تستعد لخوض حرب جديدة مع العرب، فقبل 20 يوما من بداية العمليات العسكرية –
أي في الخامس عشر من شهر مايو 1967 – قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي اشكول إن هذه الحرب ستشن
في الوقت والمكان المناسبين لإسرائيل وبخيارها. والأدهى من ذلك كشفت إذاعة "صوت إسرائيل" خطط الحرب مما يعد حدثا فريدا من نوعه في التاريخ. وقالت الإذاعة ومعها صحيفة "Jerusalem Post" إن الطائرات الحربية الإسرائيلية ستشن غارات جوية على مواقع عسكرية مصرية في الساعة الرابعة من فجر الخامس
من يونيو ليتبع ذلك هجوم بري يتيح لإسرائيل دخول قناة السويس في مساء السادس من يونيو. وقد جرت
الأحداث وفق ما ذكرته إذاعة "صوت إسرائيل" وصحيفة "Jerusalem Post" بنسبة 90 بالمائة!
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: إذا كانت المخابرات وقيادة القوات المسلحة المصرية قد علمت بمثل هذه
الخطة فلماذا لم تحرك ساكنا؟
هل كانت هناك مؤامرة من جانب جنرالات الجيش المصري؟
كان جمال عبد الناصر، للأسف الشديد، يثق بأقوال الجنرالات الذين يعدون بإزالة "الكيان الصهيوني" من الخارطة
عاجلا أم آجلا، ويتبع توصيات هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة المصرية، وخاصة توصيات المشير عبد
الحكيم عامر. وكان عبد الناصر يستعد لخوض حرب دفاعية أعدت خطتها في عام 1966 تحت تسمية "القاهرة"
. ويقول محمود فوزي إن مصر لم تكن تعرف تفاصيل القدرات العسكرية الإسرائيلية في الوقت الذي كان فيه الجيش المصري يعتبر نفسه الجيش الذي لا يقهر.
وفي عام 1967 أوشك عبد الناصر على فقدان السلطة في مصر بسبب الهزيمة المرة. ويعتقد بعض الخبراء أن الجنرالات الموالين للولايات المتحدة كانوا يرغبون بإزاحة عبد الناصر "الموالي للسوفيت" عن طريق الهزيمة في الحرب. ويرى آخرون أن قادة الجيش المصري لم يقدروا إمكانيات إسرائيل حق قدرها، ولم يدركوا قوتها الحقيقية. وفي الحقيقة أستطيع القول إنه يمكن القبول بالاحتمالين المذكورين – نظرية المؤامرة وحماقة الجنرالات
– حيث ألقى عبد الناصر على عاتق المشير عبد الحكيم عامر المسؤولية عن النكبة، ورماه في السجن ليتوفى بعد فترة خلف القضبان في ظروف غامضة.
عبد الناصر وفر لإسرائيل ذريعة شن الحرب لا يخفى على أحد أن إسرائيل كانت تستفز مصر وسورية لدخول الحرب. ففي يوم السابع من شهر أبريل 1967 وقع اشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية استمر 7 ساعات في منطقة بحيرة طبريا. وعلى الرغم من فترة
الاشتباك القصيرة وانسحاب إسرائيل فأن جمال عبد الناصر أعلن أنه سيرد على "المعتدي" وفقا لمعاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين مصر وسورية في عام 1966. وبالفعل نفذ عبد الناصر تهديده:
1ـ في الثامن عشر من شهر مايو 1967 توجهت مصر الى مجلس الأمن الدولي بطلب سحب قوات السلام التي نشرت في غزة وسيناء في عام 1957. وقد وافق الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك او – تان على طلب مصر وبالفعل أخرجت القوات من غزة وسيناء خلال 4 أيام. وفي الثاني والعشرين من شهر مايو احتلت قوات مصرية المواقع التي كانت تشغلها قوات الأمم المتحدة.
2ـ في الثامن والعشرين من مايو 1967 سمعت طبول الحرب عندما أعلنت مصر إغلاق مضيق تيران في وجه
السفن المتوجهة الى ميناء إيلات. وقد رأت إسرائيل في هذا الإجراء خطوة حقيقية نحو الحرب.
السوفيت لم يشاركوا في حرب الأيام الستة
في صباح الخامس من يونيو 1967 فقد سلاح الجو المصري نتيجة الغارات الإسرائيلية نحو 400 طائرة. وجرى
تدمير هذه الطائرات وهي جاثمة في قواعدها الجوية. ويقول شاهد عيان هو المستشرق الروسي اناتولي يغورين:
كان الجانب السوفيتي متمسكا بالتزاماته التي تنص على تدريب العسكريين المصريين. وتمنع تلك الالتزامات مشاركة الخبراء السوفيت الذين عملوا في مصر في العمليات القتالية. ومع ذلك فعندما حلت ساعة الصفر طلب الخبراء العسكريون السوفيت من الجانب المصري نقلهم الى القواعد الجوية للتحليق بالطائرات المتبقية الى الجو والتصدي للطيران الحربي الإسرائيلي. وقد رفض المصريون هذا الطلب مؤكدين أنهم سيحاربون بأنفسهم، ومنعوا الخبراء السوفيت من الوصول الى المطارات العسكرية. وبهذا الشكل لم يشارك الخبراء العسكريون الروس في حرب الأيام الستة.
قال محمد فوزي الذي ترأس أركان حرب القوات المسلحة المصرية آنذاك في نفس المقابلة مع صحيفة "الأهرام"، إنه وبعد مرور 30 سنة يكرر أن مصر خسرت الحرب قبل الطلقة الأولى. وأضاف أن 75 بالمائة من القوات البرية المصرية لم تر العدو. وذكر أيضا أن ألفا فقط من بين الـ 10 آلاف قتيل في الحرب، قتلوا في المعارك التي دارت في رفح وغزة أما الـ9 آلاف فقد لقوا حتفهم نتيجة التصرفات غير الحكيمة للمشير عامر الذي أصدر أمرا في السادس من يونيو بالعبور الى الضفة الأخرى لقناة السويس وترك الأسلحة في الضفة الأولى.
أما اناتولي يغورين فقال متذكرا: "لم يتوقع احد أن يتعرض الجيش المصري الذي تباهى كثيرا بإعداده الجيد، الى مثل هذه الهزيمة النكراء. لقد تُركت نحو 450 دبابة صالحة للقتال في صحراء سيناء. وكان بإمكان العسكريين المصريين الانسحاب على تلك الدبابات وتقليل الخسائر بالأرواح. وبدلا من ذلك قفز الجنود من الدبابات وهربوا سيرا على الأقدام الى القناة".
السلاح الروسي ووسائل الاتصال الغربية
1ـ بدت الأسلحة السوفيتية في أيدي العرب في حرب عام 1967 غير فعالة. وكان الطيارون المصريون في العروض الجوية يظهرون مهاراتهم الكبيرة، ولكن عندما بدأت الحرب ودوى أزيز الرصاص نسوا كل شيء نظرا لعدم تمتعهم بخبرات قتالية كافية.
وصلت المجموعة الأولى من الخبراء والمستشارين السوفيت الى مصر في عام 1957. كان الفريق يتكون من نحو ألف شخص، ولكن المعطيات الحقيقية مازالت خلف ستار من الكتمان الى حد الآن. وبهذا الشكل ظهر أن فترة 10 سنوات لم تكن كافية لإعداد الجيش المصري للحرب. وأكرر مرة أخرى أن الجنرالات والضباط المصريين، وخاصة أولئك الذين درسوا في الغرب، لم يرغبوا بالانخراط في دورات تدريبية يشرف عليها خبراء سوفيت. لقد كان اهتمامهم في التدريبات العسكرية مركزا على المظاهر والتفاخر بالحسب والنسب دون إعارة الإعداد العسكري الحقيقية ما يستحق من اهتمام.
2ـ يعود أحد أسباب الهزيمة، وربما أهمها، الى وسائل الاتصال الغربية. لقد زودت وحدات الجيش المصري بوسائل اتصالات سوفيتية في حين استخدمت هيئة الأركان العامة وقادة الجيش أجهزة اتصالات غربية كان بإمكان الأمريكيين التأثير عليها وتعطيلها. فعندما حلت ساعة الصفر قام الأمريكيون الذين وقفت سفنهم على بعد 14 ميلا من الساحل المصري، بقطع جميع خطوط الاتصال بين هيئة الأركان العامة والقوات المرابطة في سيناء. والأدهى من ذلك أن المشير عامر لم يخرج من مقره في القاهرة، ولم يره أحد طوال أيام الخامس والسادس والسابع من يونيو.
المظاهرات المناوئة للسوفيت
في اليوم الرابع من الحرب، وعندما استولى الإسرائيليون على سيناء، وعندما بدت ملامح الهزيمة، اختفت من شوارع القاهرة شعارات "الى اللقاء في تل أبيب". وبدأت في ذلك الوقت مظاهرات احتجاج قرب جدران السفارة السوفيتية رفع المشاركون فيها لافتات تتهم الاتحاد السوفيتي بالتقاعس عن تقديم دعم عسكري لمصر على الرغم من أن موسكو أقامت جسرا جويا مع القاهرة في ذلك الوقت. وكانت تهبط في مطار القاهرة آنذاك في كل ثلاث دقائق طائرة نقل عسكري سوفيتية محملة بالأسلحة والذخائر.
لقد اضطر هذا الوضع السفير السوفيتي في القاهرة دميتري بوجيدايف للتوجه الى الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا. شهد اللقاء بين عبد الناصر وبوجيدايف مسرحية غريبة: سأل السفير عن سبب استمرار المظاهرات قرب السفارة السوفيتية في القاهرة في الوقت الذي تواصل فيه الطائرات السوفيتية رحلاتها لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية الى مصر يوميا بلا انقطاع. في تلك اللحظة اتصل عبد الناصر بمستشاره وقال:
ـ محمد انظر الى السماء، ماذا ترى؟
ـ أرى طائرات سوفيتية.
فتساءل عبد الناصر مندهشا عن سبب استمرار المظاهرات قرب السفارة السوفيتية في القاهرة…
وبعد ساعة اختفى المحتجون ومعهم رجال الشرطة الذين وقفوا لحماية السفارة.
وختاما نقول إن نتائج حرب الأيام الستة معروفة للجميع.
الخسائر بالأرواح:
إسرائيل -776 شخصا فقط.
مصر – 11500 شخص
سورية – نحو 1000 شخص (المعطيات لا تزال سرية)
الأردن – 696 شخصا
العراق – 10 أشخاص
وفقدت مصر سيناء وقطاع غزة في حين خسرت سورية الجولان. أما الأردن ففقد الضفة الغربية والقدس. وبعد حرب الأيام الستة بدأت حرب الاستنزاف التي استمرت 3 سنوات.
لقد أظهر السلاح السوفيتي فعاليته في أيدي العرب في أثناء حرب 1973 عندما عبر المصريون قناة السويس واقتحموا خط بارليف. كان بإمكان الجيش المصري آنذاك إحراز نصر نهائي على "العدو الصهيوني"، وليس الاكتفاء بنصر معنوي. وفي لحظة غير مناسبة أوقف أنور السادات الهجوم الكاسح ليصبح التقارب مع الولايات المتحدة وكامب ديفيد واتفاقية السلام مع إسرائيل النتيجة السياسية للقرار الخاص بوقف الهجوم.
وظهر أن السادات فضل النصر السياسي على النصر العسكري. وهكذا انتهى العهد الرومانسي في العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من ذلك، وبعد مرور 40 عاما مازال السلاح السوفيتي والروسي في أيدي العسكريين المصريين..