من المضحك أن تعتقد أنك في مأمن من نار العنصري لمجرد أنك تتخيل أنه يعتقد أنك في مستواه وفي صفه، لكن الحقيقة غير ذلك، هو فقط يستخدم صمتك لتمرير أجندته، وذات يوم سيخرج لك حديثا ما يثبت فيه أنه أفضل منك لأنه قرشي وأنت لا، أو لأنه عدناني وأنت لا، أو لأن جدة أمك كانت مولاة فارسية، أو جد جدك أحب فتاة إفريقية، وضرب بتقاليد القبيلة عرض الحائط لتمر السنين وتظهر جيناتها على ملامحك، فيتأملك قليلا ثم يبحث ويبحث ليأتيك بحكمه عليك أنت نصف سعودي أصل، أنت لست كفئا لي!
إنهم الآن يستخدمون أسلوب المظلومية وضياع الهويات، ثم بعد فترة سيبدؤون في تصنيفنا بناء على أجدادنا، أو تاريخ إقامتنا في جزيرة العرب، أو ربما لمجرد مهنة أحد أجدادنا، وتبدأ الحلقة تضيق لأنهم لن يتوقفوا عن التفكير بشيء يميزهم عن الآخرين وهم كسالى جدا وفارغون جدا وبلا مهارات أو إنجازات غير الدماء التي يظنون أنها تسيل في عروقهم.
فكر جيداً في أن الدور القادم هو دورك، وأنهم سيقصونك لأي سبب لا دخل له باجتهادك وتميزك أو سلوكك الراقي، أو كونك طبيبا أو مهندسا أو أديبا أو شاعرا كتبت السلام الوطني.
ما فوق هو حقيقة يجب أن نعيها جيداً لأن ما يدور الآن في وسائل التواصل يدفعنا إلى مطالبة كل أهل الحكمة في بلادنا بالتدخل وتحذير الناس من هذه الجاهلية الجديدة التي أيقظت شياطين تدعي الوطنية والمناطقية، وتميز بين الناس وتسحب ولاءات وتصنف درجات مواطنين سعوديين وشتمهم والتطاول عليهم دون أن يراعوا خلقاً ولا أدباً ولا قانوناً، بل تجاوز تطاولهم الحدود حتى اتهام أعضاء مجلس الشورى وتخوينهم، فماذا ننتظر لمساءلتهم وقد تبعهم المراهقون وصغار السن، مما ينذر بأن السوء لم يظهر بعد.
قد يقول قائل إن ذلك بسبب ضعف تدريس القيم في تعليمنا، لكن المتتبع لهؤلاء يوقن أن الأمر ليس كذلك، بل هي حملة دبرت بليل لشق صف السعوديين، وهي تبدأ الآن بأهلنا في الحجاز من أهل جدة ومكة، أساتذتنا ومعلمونا وأطباؤنا والذين أصبحنا نقرأ كل يوم تقليلا من وطنيتهم، وهم الذين بدؤوا التعليم وفتح المدارس، ومنهم أول طبيب وأول مهندس، بل أطلق إسم السعودية من الحجاز، فكيف نصمت وهم يحرمون من حجازيتهم، وبعضهم بيت والده تجاوز 300 سنة، بل عدته الدولة متحفا ومزارا، علماً بأننا مع حق كل شخص في الحجاز أن تظهر ثقافته وتاريخ قبيلته وأسرته، لكن ذلك لا يلغي أن لغيرك أيضاً تاريخا، ولا أظن أن هناك قطعة من الأرض تحوي ثقافة واحدة حتى الرياض نفسها، فأهل جنوبها غير شمالها وغير وسطها، فإذا كان معك حق، فمن العار أن تدافع عن حقك بالشتائم والتقليل من الآخر والساحة تتسع لك كما تتسع لغيرك، فأرنا جهدك في إثبات ثقافتك وتاريخك لنسجلهما باسمك ونضعهما في المكان اللائق بهما، وهذا لن يحدث وأنت تضيع وقتك بالشتيمة، فكل هذه الأمور لن تذهب بك بعيدا مهما حاولت.
نقلا عن الوطن السعودية