قامت المفوضية الأوروبية، وبصورة متكتمة منذ بداية العام الحالي (٢٠١٩)، ببحث إدراج السعودية ضمن قائمة الدول التي تساعد في غسل الأموال. والحديث عن ادراج المملكة ذات السجل المشرِّف في هذا المجال، ـــ بِما اتخذته من إجراءات صارمة شهد بها وبسلامتها المجتمع الدولي ــ يُبين أنَّ لدى دول الاتحاد الاوروبي ارتباكًا في طبيعة ما يمكن أنْ تتبناه، كمجموعة ضد المملكة، كردة فعل لخلافات سياسية بحتة بينهما.
وهذه الخطوة الأوروبية ــ فِي تصوري ــ قد لا تتجاوز التصويت الأوروبي قبل أنْ تموت؛ لإدراك دول الاتحاد الاوروبي أنَّها مغالطة تَضرُّ بها دولَها الأعضاء قبل السعودية، من جهةِ تَضَرُّرِ المصالح الاقتصادية المشتركة، وانعدام الثقة في مجالات التبادل المالي والتجاري والاقتصادي بصورة أشمل.
وإذا أردنا استعراض مبررات ودوافع وتأثير مُسَوَّدَةِ هذا القرار على علاقات السعودية مع دول الاتحاد الأوروبي، وجدنا انها تتلخص في النقاط التالية:
أولًا : الاستغراب الأكبر لم يكن مصدره الدول المُدرجة فحَسْب، بل جاء من قِبَلِ دول الاتحاد الأوروبي أيضًا، وذلك من خلال إعلان بريطانيا وفرنسا، معارضتهما لتبنيه من ضمن دول اخرى، وذلك يعني عدم معرفتها به من قبل، أو أنَّها لم تكن قد حسمتْ موقفها بشأنه.
ثانيًا: إدراج السعودية هدفه سياسي بحت؛ وهو الضغط عليها بشأن موقفها من موضوعات أخرى مختلف عليها، ولا تَمُتُّ لهذا الموضوع بِصِلَة.
ثالثًا: المصالح الاقتصادية بين السعودية ودوّل الاتحاد الأوروبي، أكبر بكثير من أنْ يعرقلها الإدراج في مثل هذه القوائم، خاصة أنَّه لم يتمَّ بناؤه على معايير موضوعية.
رابعًا: أمام مشروع القرار ثلاثون يومًا لإقراره بالاغلبية من قبل دول الاتحاد.
والمَظنُونُ أنَّ هذا القانون لن يمرَّ؛ لأنَّ ردة الفعل السعودية سَتَحُولُ دونه؛ فهو سيقف حجرَ عثرة أمام صفقات التبادل التجاري والعسكري مع العديد من دول الاتحاد.
خامسًا: السعودية من أكثر الدول تَـبَـنِّـيًا للعديد من القوانين والأنظمة المُكافِحةِ للاٍرهاب وغسلِ الأموال، والمجتمع الدولي يعترف لها بذلك. وهي قد قامتْ بذلك، كما قامت بالمشاركة في كثير من الجهود الدولية المشتركة؛ حمايةً لنفسها من الاٍرهاب وشروره - بالدرجة الاولى -، فهي التي قد عانت منه بشكل مباشر.
سادسا: جهود السعودية قد شملتْ التعاملات المالية المحلية قبل الدولية، وقد جاءتْ في شكلِ تشديدٍ قانوني وعقابي يُتَّخَذُ ضد جميع التعاملات المالية المشبوهة، وضدَّ جمعِ التبرعات لأغراض مختلفة. وإلى جانب ذلك، فقد فرضتْ تشديدًا على التحويلات المالية الدولية بمختلف أغراضها، بحيث يتعذَرُ أنْ تَتِمَّ دونَ الفحص والتدقيق، والتأكد من سلامة المصادر، والجهات المستلمة لها.
والنتيجة التي نخرج بها من استعراض تلك النقاط، هي أنَّه لا غبارَ على الإجراءات الرقابية المُتَّبَعَة من قبل حكومة المملكة العربية السعودية، ولو كانت هنالك شبهات بخصوصها، لَتَبَنَّتْ دولٌ أخرى مثل هذه الإجراءات، منذ فترة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية المتشددة جدًا في مثل هذه الامور.
وختامًا، فمن مصلحة الاتحاد الاوروبي أنْ يتراجع عن هذه الخطوة، ولا يتبناها إنْ كانَ يريد الحفاظ على العلاقات الاقتصادية القوية مع السعودية، وعدم التضحية بها لأمور وقتية، وهي، بالدرجة الأولى، سياسية وغير مؤكدة.