كل ما أخشاه، بعد عقد من الزمن، أن يؤدي هذا الاندفاع إلى كراسي السلطة من قبل جماعات الإسلام السياسي إلى تقييم اجتماعي أو مسطرة يقيس بها المجتمع مدى مواءمة الإسلام لأن يكون منهج حكم وسلطة. أخشى أن يختلط الأمر لدى القطاعات الاجتماعية الواسعة بين منهج هذا الدين العظيم كرسالة حياة واستخلاف وبين ممارسات المشتغلين به ومن ثم نخرج من التجربة بسؤال خاطئ من أساس التركيب: هل كان الإسلام هو الحل؟ أخشى أن تلتبس الأمور لدى المجتمعات ما بين التطبيق وبين النظرية. ما بين أصول الحكم في الإسلام وما بين الممارسة. والسبب الأساسي لأن هذه الجماعات الإسلامية المختلفة من حزب الدعوة في العراق إلى إخوان مصر إلى نهضة تونس تتسابق اليوم للكرسي الأعلى في ظروف سياسية واقتصادية منذرة بالفشل الذريع. يحمد لبعضها أنها تتصدى بشجاعة إلى حمل المسؤولية في مجتمعات بالغة الاضطراب وفي مواجهة موارد لا تبشر بالنهوض باقتصادات تستطيع الوقوف إلا حبواً بشكل كسيح. لكن المجتمعات تبرهن على الدوام أنها لا تنظر للظروف قدر حكمها على النتائج. ومن إيران إلى غزة إلى العراق والسودان، يحذر دعاة الدولة المدنية من أن صنوها في الدولة الدينية الواعدة سينتهي إلى ذات الأنموذج.
هنا يكمن الخطأ في التصور. لدينا في النماذج الثلاث، آنفة الذكر، مجرد نماذج من القمع السياسي والاضطهاد والإقصائية، ولكن: الصلب المشترك فيما بينها ليس إلا رؤية الفرد المستبد الذي ينفرد، ووحده بقوام المشروع السياسي ثم يسحب رؤيته ليعطيها الغطاء الإسلامي. هي نماذج الخميني والمالكي وهنية وعمر البشير، وكلها أبعد ما تكون عن تركيبة السؤال: هل الإسلام هو الحل؟
ومن اللافت بمكان أن القادمين إلى ذات المشروع على ذات الطريق لا يتعلمون من ذات التجارب والنماذج. هم يقلدونها ولكن بثوب ديموقراطي، وأخطر من هذا فإنهم يسعون إلى توسيع دائرة البراهين: سيكون لدينا ما لا يقل عن عشر تجارب ونماذج بنهاية هذا العقد ومن ثم: ماذا سيكون عليه التقييم الاجتماعي لذات المشروع الإسلامي في نهاية المرحلة؟ سيكون الإسلام هو الضحية لا لخلل به ولكن للخلل الهائل في ممارسات الحاكم باسمه. وعطفاً على الظروف كان على هؤلاء أن يكونوا أكثر دهاء وذكاء في اختيار التوقيت. المرحلة بالتحديد تحتاج الانتظار، وفي أحسن الأحوال كانت تتطلب شراكة واسعة مع القطاعات الأخرى كي يتحمل الجميع وطأة الظروف ومن ثم خراج ونتاج وعواقب المسؤولية.
نقلا عن الوطن السعودية