الصحة قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية لأنها تمثل الضلع الثالث في منظومة استقرار الدول ونموها وتطورها أو تخلفها، فكما هو معروف أن مثلث التخلف له ثلاثة أضلاع أساسية (الجهل والمرض والفقر)، ولهذا السبب فإن تخلف الصحة ومؤسساتها عن الوقوف بشكل مميز في زاوية هذا المثلث وتقديم خدمات متطورة سيجعل من المجتمع عرضة لانشقاق كبير في مثلث حياته المجتمعية بكاملها.
الخدمات الصحية كما هو معروف لا تقوم دون إنشاء جيش من الأطباء والفنيين والموظفين والمستشفيات والمراكز الصحية وهذا ما سوف يجعل مهمة الوزارة نحو تطبيق هذه الإستراتيجية لن تمر بطرق معبدة في كل الأوقات
الخدمات الصحية في المملكة تعاني من نقد حاد لخدماتها والسبب الرئيس يكمن في تحول في المعادلة السكانية حيث تضاعف الرقم السكاني خلال العقود الماضية ما نتج عنه إبطاء الخدمات الصحية حيث كان السكان يتزايدون بمتوالية هندسية كما تقول نظريات السكان، بينما الخدمات الصحية بقيت تتزايد بمتوالية حسابية كنتيجة طبيعية للعلاقة الأزلية بين الإطار البشري، والإطار البيروقراطي الذي يحكم تطور الأداء الحكومي.
أزمة الطلب على الخدمات الصحية تتضاعف بشكل كبير في مجتمعنا وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها وخاصة مع دخول العالم إلى أشكال مختلفة ونظريات متفاوتة حول أفضل الطرق والاستراتيجيات لتقديم خدمات صحية أفضل للمواطنين ولكن يبقى السؤال الملح علينا جميعاً وهو هل هناك من خطة يمكن الاعتماد عليها لسد هذه الفجوة بين التزايد السكاني، وبين نقص الخدمات الصحية..؟
مجتمعنا يعاني كما كل مجتمعات الشرق الأوسط من أزمات ونقص في الكوادر الطبية والفنية المساعدة نظرا لمشكلات كبيرة متعلقة بتقديم الخدمات الصحية في مراحل مختلفة من عمر وزارة الصحة بالإضافة إلى غياب حقيقي للأهداف المستقبلية التي تضع معادلة التغيير السكاني بشكلها المستقبلي الصحيح من اجل تقديم خدمات صحية مميزة.
ولكي تكون الرؤية واضحة فإن الطلب المتزايد على الخدمات الصحية قضية متشابكة يختلط فيها الحكومي بالاجتماعي ولكن تظل الحكومات هي المسؤول الأول عن تقديم خدمات صحية مميزه لشعوبها لذلك ليس هناك من خيارات أو حلول سوى طريقة واحدة غير قابلة للتغيير ألا وهي توفير الخدمات الصحية وفق منهجية وإستراتيجية صحيحة تضمن حق كل مواطن في تلقي خدمات صحية مميزة.
لابد من الاعتراف أن الأزمة القابعة خلف ضعف الخدمات الصحية تكمن في عدم وجود طريقة واضحة لمعالجة المشكلات الناجمة عن ضعف الخدمات الصحية خلال العقود الماضية لذلك نحن أمام سؤال مهم يقول هل وزارة الصحة اليوم تواجه مشكلة نقص الخدمات وتعثرها باستراتيجيات واضحة المعالم تجعل من الخدمات الصحية قادرة على استيعاب تلك الأعداد الهائلة من المستحقين لخدمات صحية مميزة تتناسب ووضع المجتمع السعودي صاحب الاقتصاد الأكثر استقراراً ونمواً في المنطقة..؟
المشكلات التي نسمعها اليوم عن الخدمات الصحية السلبية منها والإيجابية لابد من مواجهتها بشكل كبير من خلال خطط قادرة على التهام معوقات الخدمات الصحية وجعلها من حكايات الماضي، وقد لفت نظري في موقع وزارة الصحة الخطة الاستراتيجية للوزارة تحت عنوان مهني يقول (المريض أولًا) ثم كلمة تاريخية لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله يقول فيها "لا شيء يغلى على صحة المواطن" هذا المزج بين شعار إستراتيجية الصحة، وبين كلمة خادم الحرمين يمنح الأمل في أن أزمة الخدمات الصحية لن تكون هي عند الأميال الأخيرة من تطبيق هذه الخطة.
عبارة المريض أولًا ستكون محور التنفيذ في هذه الخطة كما يبدو من صفحاتها لأن المريض هو مركز الصحة وكل خدماتها يجب أن تدور في فلك هذا المريض إلى أن تخرجه من دائرة مرضه وتعيده إلى المجتمع فردا سليما يتمتع بصحة تجعله قادراً على المساهمة في بناء مجتمعه.
معدّلات السكان ستكون مرتفعة بحلول نهاية إستراتيجية وزارة الصحة، وستكون معدلات الأعمار في المجتمع السعودي أكثر ارتفاعاً مما هي عليه اليوم، كما سيكون عدد صغار السن وفئة الشباب الأكبر في منظومتنا السكانية في مقابل ارتفاع كبير في نسبة حصة وزارة الصحة من الرعاية الصحية في المجتمع حيث تقدم الوزارة اليوم 60% من الخدمات الصحية في مقابل 40% موزعة بين القطاع الخاص وجهات حكومية أخرى.
يقول معالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة في الكلمة الافتتاحية في هذه الإستراتيجية ما نصه " استندت هذه الإستراتيجية على رؤيةٍ مستقبليةٍ مخلصة بأن نصل بخدمات الرعاية الصحية في المملكة إلى مستويات الجودة التي نجدها اليوم في دول العالم المتقدم، وأن نقوم بإيصالها إلى كل المواطنين بطريقة عادلة، يستوي في ذلك سكان المدن والقرى والهجر، وأن تكون رعاية شمولية لا تعنى بالإنسان عند مرضه فحسب، بل تهتم بكافة الجوانب الأخرى من حيث الوقاية من الأمراض، والاكتشاف المبكر لها، وزرع العادات الصحية السليمة لدى أفراد المجتمع كافة".
إن هذا الوعد الاستراتيجي من معالي وزير الصحة يتطلب جهداً ليس بالقليل في مقابل التحولات التي يشهدها المجتمع السعودي على المستوى السكاني..
والحقيقة أنه بين ثنايا هذه الإستراتيجية هناك مشروع طموح أطلقت عليه الوزارة إستراتيجية الصحة الإلكترونية، هذا المشروع يربط جميع المرافق الصحية في شبكة معلوماتية مشتركة هدفها أن تكون معلومات المريض سهل الوصول إليها في المرافق الصحية في جميع أنحاء المملكة، وهي بذلك توفر تاريخا صحيا لكل مواطن يمكن الوصول إليه عبر أي مرفق صحي في المملكة.
الخدمات الصحية كما هو معروف لا تقوم دون إنشاء جيش من الأطباء والفنيين والموظفين والمستشفيات والمراكز الصحية وهذا ما سوف يجعل مهمة الوزارة نحو تطبيق هذه الإستراتيجية لن تمر بطرق معبدة في كل الأوقات، وخيار وزارة الصحة اليوم هو في أن تفي بما وعدت به في هذه الإستراتيجية، لهذا فإن الرسالة المهمة التي يبعثها المجتمع لوزارة الصحة هي أمنية من المواطنين أن تكون وزارة الصحة ليست هي في العام 1440ه.
الخدمات الصحية في المملكة اليوم تواجه صعوداً وتغيراً في أعداد السكان، وارتفاع معدلات المواليد وهذا ما يجعل متطلبات ترقية وتحسين خدماتها أكبر من حيث الدعم المالي والفني والعمل المشترك مع مؤسسات التعليم العالي لتوفير التعليم الطبي وفق معايير عالمية ومهنية مميزة قادرة على سد حاجة المجتمع من الأطباء والفنيين.
نقلا عن الرياض