عدم جاهزية الشعوب هو من أبرز الذرائع التي يرفعها البعض حائطا ضد وصول الديمقراطية للمنطقة، وهي ذريعة ليست تحمل انتقاصا وتبخيسا من وعي وثقافة شعوب المنطقة فقط، ولكن أيضا منقطعة عن محيطها وغير قادرة على استقراء واقع بات شديد التغير والتشكل.
فالديمقراطية لم تعد شعارا سياسيا طارئا على المنطقة وتاريخها بل أصبحت لغة وممارسة عالمية تشمل الأنظمة، وتطال العديد من المجالات والأنشطة ابتداء من المنظمات الدولية التي نحمل عضويتها، وانتهاء بالاستبيانات التي نعبئها في مطعم لنبدي رأينا في الخدمة المقدمة.
وعندما نقول ان الانتماءات الفئوية الضيقة (الطائفية، القبلية، الإقليمية) ستفتك بالديمقراطية لدينا، فإننا نفرض وصاية ونعمم يقينا بأن شعوب المنطقة ستبقى في مرحلة المراهقة الأبدية.. مغفلين عددا من الأمور أبرزها:
- أن النشاط السياسي والاهتمام بالشأن العام عادة يكون لدى فئة محدودة تمتلك حدا معقولا من الوعي وعموم الناس ليسوا من يصيغ ويضع القوانين في الدولة بل القوى السياسية والنخب المثقفة هم في الواقع العملي من يقوم بالمهمة على الأرض. على سبيل المثال الانتخابات في "بريطانيا" لهذا العام 2012 - وهي من أعرق الديموقراطيات - كانت نسبة المشاركة 36% من عموم تعداد الشعب البريطاني.
وفي انتخابات الرئاسة المصرية وهي الانتخابات التاريخية بعد الثورة، والتي يقال إنها حظيت بنسبة مشاركة عالية على الرغم من هذا شارك نصف الناخبين فقط تقريبا وعددهم "50" مليون ناخب بينما امتنع نصف الناخبين عن التصويت والمشاركة، لذا أعتقد أن العالم العربي بات يمتلك نخبا سياسية وفكرية باستطاعتها أن تقدم مشروعا ناجحا لدولة مدنية متحضرة يحكمها الدستور والقوانين والمؤسسات.
- وأعتقد أن الديمقراطية لم تعد تنتظرنا أن نذهب إليها بل هي أتت لنا احدى تشكلات الديمقراطية في مجتمعات المنطقة هي وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتحديد مجتمع (تويتر) فهو من ناحية يمتلك أسقفا عالية للطرح والنقاش بشكل قد يتفوق على برلمانات العالم، وبالتأكيد هذا يدعم الحراك الفكري السياسي والاجتماعي السلمي.
فمجتمع (تويتر) أعتقد أنه في طريقه لحصار الطروحات المتطرفة، ورفض العنف والتصفية اللغوية، والسعى إلى قولبة طرح عقلاني واع حضاري ومتوازن.
فمثلا في برلمانهم يستدعون الوزير للاستجواب إذا صرح بتصريح خارق للمعقول مثلا كالتصريح بأن هناك 600 فقير فقط في المملكة.
أيضا تكونت داخله (جماعات ضغط) فعبر ما يسمونه (الهشتاق) بإمكانه استقطاب رأي عام جمعي مؤثر وفاعل وأبسط مثال إيقاف مبارة كرة قدم احتراما لوفاة أحد اللاعبين بحادث سيارة.
و(تويتر) هو مجرد نموذج لما يحدث في أرض الواقع لنصل في النهاية إلى أن الديمقراطية هي استدراج الجميع للمشاركة والإحساس بالمسؤولية، وهي صمام أمان يحفظ تماسك المجتمعات واستقرارها، ويحمي من أصابع الاتهام التي من الممكن أن تشير إلى جهة واحدة فقط كسبب لمشاكل المجتمع والفساد وقصور الخدمات، وما هناك من قضايا موجودة في كل مجتمعات العالم فبدلا من هذا تعالج الأمور بنفس وطني مشترك وتجعل الجميع شركاء في المسؤولية.
الديمقراطية ليست بديانة (غنوصية) سرية تحجب حقائقها عن أتباعها لأنهم (قصر وغير ناضجين)، الديمقراطية هي الحرية المسؤولة، والتزام لا ينتهي تجاه الوطن.
نقلا عن الرياض