لیس المقصود ھنا الحدیث عن جھود الوزارة في التعاطي مع وباء كورونا منذ إعلان
انتشاره في «ووھان»، ولا عن الاستعدادات والإجراءات الاستباقیة الشجاعة التي أصبحت
حدیث القاصي والداني، ولا عن قدرة أجھزتھا على محاصرة انتشار المرض وعلاج الحالات،
كما لا أتحدث عن قدرتھا على ترجمة توجھات القیادة العلیا وتوجیھات السلطة، وقدرتھا
على جمع وتنسیق جھود كل الجھات المختصة في خلیة كبیرة متناغمة متفانیة، تعمل بھدوء
وصدق بعیدا عنعیدا عن حب الظھور أو الادعاء أو الھیاط.ما أتحدث عنھ ھو كیف استطاعت وزارة الصحة أن تؤسس لنموذج فرید في الإعلام الصحي
والطبي على غیر مثال سابق لدى الوزارات المتعاقبة، على الرغم من مرورنا بأزمات صحیة
منذ الكولیرا وحمى الضنك والوادي المتصدع وسارس ومیرس ومخاوف إیبولا في موسم الحج
وزارة الصحة لم تدفع عشرات الملايین لشركات العلاقات العامة أو إعلانات الصحف والتلفزيون ولا
لشركات السوشال میديا غیر المجدية ولا للجھات المستفیدة ماديا من ھذه الحملات الإعلانیة، كما لم تدفع عشرات الملايین بحثا عن الھاشتاقات والترندات التي أصبحت على حد تعبیر أرنولد توينبي «صنم نصنعه بأيدينا ثم نعبده»، ومع أن توينبي يتحدث عن التاريخ فإنه يصدق على ما نفعله فأصبح لدينا ھوس بالھاشتاق، ويكون ھم المسؤول لیس تنفیذ العمل الذي يقوم به أو المبادرة التي يقدمھا وإنماھو يناقش تفاصیل المبادرة يعمل ذھنه ومستشاروه على الھاشتاق المصاحب للمبادرة أو كیف نصل به إلى الترند، وھم يعلمون أن ھناك شركات مدفوعة تدفع بھذا الھاشتاق إلى أن يكون ترندا عن طريق مشاركات البیض أو تغريدات الكلمة ونصف، أو مناشدة كل من نعرف للمشاركة حتى يصبح ترندا، فإذاوصل ھللنا وكبرنا لھذا الفتح العظیم والإنجاز الإعجازي، ولا يھمنا أن ھذا الترند يختفي في ساعات، بلالمھم أن يدخل ضمن تقرير الرصد الإعلامي لیرفعوه إلى المسؤول الأعلى ولا يھم بعد ذلك إن وصل إلىالمستھدفین أو لا، فھذا آخر الھم، وأصبح ھم الجمیع ھو الانتشار أما موضوع التأثیر، وخاصة لدىالشريحة المستھدفة، فھو لزوم ما لا يلزم، لأن قیاسه صعب وغیر لحظي ونتائجه تسوّد الوجوه، وھم.يبحثون عن بیاض وجه الكرسي
ھذا الحديث ينسحب على أداء الكثیر من الجھات، فبدلاً من أن يكون لدينا إعلام حربي وإعلام نفطيوإعلام سیاحي أصبحت جمیعھا في سلة واحدة، ھي إعلام الصوت الواحد، والانتشار الأفقيالسطحي، دون أن يحفر بعیداً في العمق حینما نأخذ أشخاصا إلى الحد الجنوبي لیصور سنابات أوتغريدات أو صورا وفیديوھات في الانستغرام وغیرھا، وھو حريص على ظھوره خلف دبابة أو بجانبجنود، ويقول كلاما فجاً لا يقنع أحداً، بینما مقطع عفوي لطفل في مدرسته يخاطب أباه في الحد، أوقطع لجنود في دقیقتین يفدون بعضا بأرواحھم، ويفدون بمجموعھم الوطن، ھو أبلغ أثراً وأعظم وقعا.في نفوس الناس من العنتريات التي ما قتلت ذبابة
وكذلك الحملات التي نخاطب فیھا أنفسنا كأن نقنع السعوديین بعدالة دعمنا للشرعیة في حرب الیمن،فكلنا ورب البیت مقتنعون، وإنما المطلوب أن نشرح للیمنیین المخدوعین أو المغلوبین على أمرھمحقیقة الأمر، وھذا لا يتأتى من خلال الھاشتاق والترند؛ لأن الیمني البسیط المحروم من التعلیم ومظاھرالحیاة الحديثة والإنترنت لا يصله شيء من كل ما نعمله، ويحتاج إلى أن نخاطبه بمفرداته وأدواته التييستخدمھا، وكثیرة ھي التجارب وفي مختلف المجالات سواء تحدثنا عن الإسكان أو حساب المواطن أوتركیا أو غیرھا، فالمشكلة ھي أن الانتشار والتأثیر أمران مختلفان، والسیل الذي يسیر مسرعا لا يملأ.بئرا ولا ينبت كلأ
الذي جعل وزارة الصحة تنجح حتى الآن في أدائھا الإعلامي ھو أنھا تصرفت كرجال الدفاع المدني
عندما يتبلغون بوجود حريق، ينتقلون بسرعة ويطفئون النار المشتعلة، وتخیلوا أن الضابط المسؤول
عندما جاءه البلاغ شغل نفسه بالھوية الموحدة والھاشتاق بالعربي والإنجلیزي والرسائل الإعلامیة،
ويھتم بأن تنشر كل المواقع والصحف وحسابات وسائل التواصل والتلفزيونات في لحظة واحدة العبارات.نفسھا وبالأداء المیكانیكي البارد نفسه
نجحت وزارة الصحة لأنھا لم تدفع عشرات الملايین لشركات العلاقات العامة والإعلام ولكنھا قدمت
شخصا اسمه محمد العبد العالي، لم تدفع له ريالا واحدا سوى راتبه، ومع ذلك استطاع أن يجعل كلفحسب لأن أھمیة وحساسیة كورونا إن لم تحسن الوزارة التعاطي معھما إعلامیا سیبحث الناس وسائل الإعلام تعمل لحسابه بمھنیة وحماس وشغف، ولیس ذلك بسبب أھمیة موضوع «كورونا»
المتعطشون عن مصادر أخرى، ففي إيران أصبح الناس يستقون مصادرھم من المعارضة الإيرانیة،
.وتركوا المصادر الرسمیة، وفي مصر كانت ھناك مصادر أجنبیة وقراءات من قرارات الدول الخلیجیةاصر النجاح الإعلامي لوزارة الصحة تكمن في خمسة أمور؛ أولھا: الشفافیة والصدق، فبعد أن كانالناس يتشككون كالعادة في أعداد المصابین وأماكنھم ويلجأون إلى الإشاعات والمعلومات غیر الدقیقةالمسربة من بعض العاملین في القطاع الصحي، لم يعد الناس يلتفتون إلیھا بل وأصبحوا متطوعین في.الرد على الأخبار المكذوبة، وأي أمر لا تتوفر فیه الشفافیة والصدق فوجوده عبث
الأمر الثاني: السرعة، لأن أي تأخر في إيصال المعلومة يترك فراغات يملؤھا الناس من أقرب مصدر قد.لا يكون الصحیح
الأمر الثالث: المعلومات الدقیقة والمستفیضة المشبعة التي تجعل الشخص لا يبحث عن مصادر أخرى.تسد جوعه وتشبع نھمه
الأمر الرابع: لم تقم وزارة الصحة بدور المزارع والطباخ والسفرجي في آن واحد كما تفعل غالبیة
الوزارات والھیئات الحكومیة التي يصدق علیھا المثل «أزرت في بیتھا راحت تكنس المسجد»، فأصبح موظفوھا يقومون بالدور الإعلامي أو تسنده لشركات إعلام وعلاقات عامة تعرف أن استلام
مستخلصاتھا وتجديد عقدھا مرھونان بصوت الطبلة ولمعان الصحون، بل وفرت المعلومات للجمیع
.وتركت لأھل المھنة ولغیر أھل المھنة القیام بما يرون دون اشتراط مسبق أو مدفوع
الأمر الأخیر: صدق وعفوية الحديث دون تصنع أو تزويق، فمحمد العبد العالي يتحدث بھدوء وصدق وكأنه
يتحدث إلى أھله يحس بھم ويحسون به، ولیس مجموعة موظفین يؤدون دوراً، فلیست المستأجرة
كالثكلى، وحین ظھر الوزير توفیق الربیعة مخاطباً المواطنین أحس الناس من خلال تلقائیته أنه ابن وأب.وأخ لأحدھم، فأحسوا به وصدقوه وتفاعلوا معه
لعل وزارة الصحة تعطي نموذجا تراجع فیه الوزارات كلھا بدون استثناء كیف توصل رسالتھا بمصداقیة.ويكون لھا أثرھا الحقیقي ولیس الزائف
نقلا عن الوطن السعودية
التعليقات 1
1 pings
غرم الله قليل
24/03/2020 في 8:13 ص[3] رابط التعليق
مقال لا تنقصه الصراحة !