تقوم الدولة على ثلاث سلطات، هي: التنفيذية والقضائية والتشريعية، وكلما كان الفصل بينها واضحاً والصلاحيات الممنوحة لكل سلطة معروفة ومحترمة، كانت الدولة أقوى وأكثر قدرة على ضبط الأنظمة وتجويدها وتنفيذها بعدل وكفاءة. والمملكة اليوم والحمد لله تسير في طريق القوة بكل مكوناتها: الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية. فالسلطة التنفيذية في المملكة أصبحت ذات كفاءة وسرعة إنجاز، ويعود الفضل لحسن اختيار المسؤولين والقادة على كل المستويات، وبفضل وجود رؤية واضحة ذات برامج وأهداف. وأصبح الطريق سالكاً أمام تنويع مصادر الدخل، وأهمها: سواعد وعقول الشباب من الجنسين، فقد أصبح الإبداع والابتكار أهم المحركات لاقتصاد الدول وقوتها. وأفضل وسيلة للنجاح في أي اقتصاد هو التركيز على الميزة النسبية لكل دولة، فلا يمكن أن ننافس الدول المتقدمة في مجالات سبقونا فيها بما لديهم من خبرات طويلة ومراكز أبحاث، لكن لدينا ما هو أهم: الطاقة التي يحتاجها العالم، يجب أن نكون في المقدمة في كل ما له علاقة بالطاقة من أبحاث وتطوير وابتكار، مع التركيز على الصناعات التحويلية لها. والميزة الثانية والأهم هي وجود مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهذا يفتح المجال واسعاً لخدمة العالم الإسلامي أجمع، والأوائل في السياحة الدينية، والصناعات والخدمات المتعلقة بها. أما السلطة القضائية فهي في تقدم مستمر بفضل ما تلقاه من دعم وما تتمتع به من مرونة وضعتها في مقدمة أجهزة الدولة في الخدمات الإلكترونية، كما زود القضاء ووزارة العدل بالكفاءات الجيدة والتخصصات المطلوبة، وصدر خلال الأعوام الخمس الماضية الكثير من الأنظمة واللوائح التي تكفل العدالة، وتسهم في تقليل السلطة التقديرية للقاضي ونسبة الخطأ، وهذا بفضل تعاون السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء ومجلس الشورى الذي يجد الدعم والمؤازرة من الملك وولي عهده -يحفظهما الله-. مجلس الشورى له الفضل في تجويد الأنظمة ودراستها من جميع النواحي، إضافة إلى دوره الرقابي المتمثل في دراسة جميع التقارير السنوية للوزارات والهيئات، واستضافة الوزراء تحت القبة والاستماع إلى ما لديهم، وطرح الأسئلة والمداخلات من قبل الأعضاء، مبتدئين برأي المواطن أولاً، كما يصدر الكثير من القرارات لمجلس الوزراء لدراستها، إضافة لدوره المتمثل في لجان الصداقة، لتوضيح وجهة نظر المملكة في المحافل الدولية، وخاصة برلمانات الدول ومجالس الشورى.

والميزة النسبية لقيادة المملكة هي وجود قائد محنك لديه خبرات متراكمة وتجارب طويلة وهو الملك -يحفظه الله-، فقد نهل من خبرات جميع من سبقوه من الملوك، وكان خير عون ومستشار لهم، ومنهم المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله-. يعينه ويساعده في تسيير شؤون الدولة ولي عهد شاب طموح تمثلت فيه كل صفات القيادة ومتطلباتها.

ونجاح السلطات في أداء مهامها على الوجه المطلوب، ووصول الدولة إلى مصاف الدول المتقدمة، وكسب السباق الحضاري يحققه العنصر البشري المبدع والمتعلم، وهذا يتطلب تضافر الجهود لتنشئة جيل قوي يواصل المسيرة، ومن أهم ما يجب التركيز عليه في هذا الجانب، وأهم من أي وقت مضى ما يأتي:

أولاً: البيت هو المستقبل الأول والمربي للطفل، وهو الأهم، ولم يكن في يوم من الأيام بالأهمية نفسها لما هو عليه اليوم، فقد أصبحت التقنية والفضاء الواسع المفتوح مشاركاً للوالدين في تربية أطفالهم، وأصبحت الأجهزة الإلكترونية مع الطفل في كل وقت ومكان، وأصبحت البرامج والأفلام تدس السم مع العسل، وهو ما يعني أن نحصّن الأطفال، ونشغل أوقاتهم بما يفيدهم ويثري حياتهم، ويزيد من ذكائهم وصحتهم النفسية والبدنية.

ثانياً: التعليم هو الركن الثاني لتقدم الأمم، ولم تصبح سنغافورة الثانية في دخل الفرد على مستوى العالم إلا بفضل جودة تعليمها وقوة جامعاتها، واليوم يمر التعليم في المملكة بتطورات متسارعة وتغييرات جذرية، وهو ما يعني أن ندرس كل ما أجرينا من تغيير، مستفيدين من آراء المعلمين والموجهين والقادة في الميدان، يجب أن نركز على الكيف وليس الكم، وأن يكون البذل بسخاء من أجل الطالب وتجهيز المدارس، وألا يكون دمج المدارس على حساب عدد الطلبة في كل فصل، وأن نأخذ بالمعدل المتبع في مدارس الدول المتقدمة، فلا يزيد عدد الطلبة في كل فصل على خمس وعشرين طالباً، حتى يعطى كل طالب ما يستحقه من اهتمام وقدرة على المشاركة، كما يتم تقييم تجربة الثلاثة فصول ومحتواها وما بها من إيجابيات لتعزيزها، وسلبيات لتلافيها في الأعوام المقبلة، مع التركيز على تدريب المعلمين والمعلمات، وابتعاث القادة ولو لفترات قصيرة إلى مدارس الدول المتقدمة للإطلاع على أحدث التجارب والممارسات في مجال التعليم.

القيادة الواعية، والأسرة، والتربية والتعليم بكل مراحله، هي أساس تقدم الأمم في الحاضر والمستقبل. والمملكة قادمة بقوة -وبحول الله- إلى مصاف الدول المتقدمة، فقد صحّ العزم، وثبّت العدل أساس استقرار الأمم وتقدمها.