مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي يصرف المليارات على عشرات الآلاف من المبتعثين في أميركا وأوروبا وأستراليا وروسيا وغيرها، له دور كبير في رفع مستوى التعليم والنضج الفكري، ويُفترض أن عودتهم ستثري الوطن؛ لكن مع الأسف بعضهم لا يستفيدون من هذه التجربة؛ إذ يعكسون صورة سلبية عن ثقافتنا وديننا حين يبررون أسباب عزلتهم الثقافية في تلك المجتمعات بأنها دينية؛ أقول هذا بمناسبة ما أخبرتني به زميلة إيطالية "إليزبيث" هي وأصدقاء أجانب آخرون من أوروبا وشرق آسيا، حين تفاجؤوا بتعاملي المنفتح الذي يحترم ثقافتهم وأديانهم في ظل تمسكي بعاداتي الدينية؛ إذ تسألني باستغراب"هل صحيح الإسلام يُحرم الرسم والموسيقى والمسرح والسينما والفلسفة والمنطق؟ وهل الرجل لديكم لا يحترم المرأة أبدا!؟" سألتها: لماذا تسألين؟ فعلى العكس، الإسلام اهتم بالفنون بكامل أطيافها، وحضارة المسلمين في إسبانيا شاهدة، أما الفلسفة والمنطق فحفظ كتبها التي ألفها أرسطو وسقراط؛ المسلمون الأوائل حين كانت روما تحرق كتبهم، وهذا يعني أن الإسلام لا يُحرم الفنون ولا الفلسفة؛ أما الرجل فيوجب عليه الإسلام احترام المرأة وتقديرها، وإن كانت هناك قصص غريبة فهي تمثل أصحابها لا الإسلام! ولكن لماذا تسألين؟
صدمتني بإجابتها، إذ توقعتُ أن سؤالها ناتج عن سماعها لبعض الأخبار المتداولة هنا وهناك عن مجتمعنا والإسلام، إلا أنها قالت؛ إن عددا من السعوديين كانوا يدرسون معها في المعهد، وبرر أحدهم لزملائه عدم ذهابه إلى مسرح في نيويورك أو السينما أو متاحف الفنون بأن الإسلام حرمها! أما استنتاجها بعدم احترام الرجل للمرأة فبنته على تصرفات بعضهم معها ومع زميلاتها، حيث قالت: "أحدهم ينظر لنا نظرة اشمئزاز، وآخر طلب من المدرس ألا يختلط بزميلاته، لأن دينه يفرض ذلك!"
لا أكذب عليكم، حاولتُ تصحيح فكرتها عن ثقافتنا الإسلامية؛ وأن هذا الشخص وأمثاله لا يمثلون إلا أنفسهم! وفي نفسي مرارة السؤال"إن كان يرفض الآخر ويتعامل مع ثقافته باشمئزاز، فلماذا يسافر إليهم؟
فيما تخبرني إحدى المبتعثات أن بعض السعوديين ينعزلون، ويفرضون هذا الانغلاق على أسرهم، فلا يحتكون بجيرانهم، وبعضهم يمنع أطفاله من اللعب مع أطفال الآخرين خوفا من اكتساب عادات غربية؛ وهؤلاء بصراحة يعكسون صورة سلبية وقاتمة، وإن كانت حقيقة في مجتمعنا بفعل العادات والتقاليد إلا أنها لا تعكس حقيقة الإسلام ولا تمثل سياسة الدولة المنفتحة على العالم بتسامح، ولا أعلم هل نسي هؤلاء حديث المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ "خاطب الناس على قدر عقولهم" أي على قدر ثقافتهم؛ دون الذوبان فيها؛ أما أن نأخذ معنا بعض ممارساتنا هنا، كأن ينظر المتشددون للمرأة نظرة عبوس واشمئزاز أو ملاحقة العيون الفاتنة واعتبار صاحباتها عاصيات، فربما نفهم نحن السعوديات أسبابها النفسية؛ لكن الآخرين ممن ينتمون إلى ثقافات وأديان أخرى لن يفهموها، وسيفسرون تصرفاتنا بحسب ثقافتهم! وقد يبررونها بجهل، أنها بسبب استمرار عيشنا في خيمة وصحراء، لا في مدن كبيرة قد تكون أكبر من بعض مدنهم!
نقلا عن الوطن السعودية