هناك شعوب لا تتألم كثيراً بسبب عجزها عن تحقيق تقدمها لأنها لا تملك إمكانات هذا التقدم، وبالتالي فهي تعيش مهمات مسايرة واقع ما هي فيه من عجز.. شعوب أخرى نحن في مقدمتها.. تملك إمكانيات أن تكون واجهة رائعة لواقع تقدم جديد تحققه شعوب عاشت البداوة الصرفة قبل أقل من مئة عام وعاشت مدن القرية قبل خمسين عاماً ثم وجدت بين يديها إمكانيات القفز الحضاري نحو الأعلى.. نحو كفاءة المعيشة وكفاءة الزمالات الدولية.. المضحك جداً أننا لم نقف محتارين بالتساؤل كيف نستطيع أن نخدم أنفسنا ونوفر حضور التقدم ولكننا.. البعض منا.. منشغلين في تبادل خصومات لفظية لا أساس لها بما نحن فيه.. مثلاً وجهة نظر تورد الشك فيما إذا كان البترول يحتوي خصائص تحريم لأن أطراف التعامل معه.. غير مسلمين.. هذا مجرد مثال.. نموذج.. لأننا نجد في مجتمعنا لغات اختلاف لا تقوم على أسس موضوعية بل تحاول أن تستفيد بأي برهان مفتعل..
هذا التقدم الحضاري.. والتقدم الحضاري ليس تدخلاً في العقائد والسلوكيات متى كان يحدث في مجتمع مستقيم السلوك لأن الانحراف لا تحدده المستويات الحضارية ولكن كثيراً ما نجد ضحاياه في المجتمعات الفقيرة.. وفي بعض المجتمعات المتطورة يأتي الانحراف وهو حرية خاطئة تبيح ممارسات مرفوضة.. هنا المسألة سلوكية وليست عقائدية.. في كل الأحوال.. أقصد.. أن توفر التقدم والتنوع الحضاري لا علاقة له بالسلوكيات الشخصية فالأمر يرتبط بمفاهيم المجتمعات وما يجذبها من مؤثرات وليس من أفكار أو عقائد.. على سبيل المثال.. لقد تطورت اليابان من مجتمع خرافات عجيبة إلى دولة عظمى ثم بعد الهزيمة إلى دولة علمية متميزة الكفاءة والثروة لكن لا أحد يتجه إليها كدولة سياحية.. ماليزيا.. ضمت بين حدودها مختلف عرقيات ومختلف ديانات.. وتتقارب نسب الأرقام ومع ذلك فقد وفرت مستويات اجتماعية لم تتورط بما فعلته بعض مجتمعات آسيوية في وسط وشرق القارة..
ترى ما هي موضوعية التشكيك بالابتعاث بالنسبة للتعليم في المملكة حين يأتي من يقول.. بل يروج بأن نسباً كبيرة من عدد الطلبة يعودون وهم مدمنو مخدرات وكحول ويطلب بفحصهم في المطارات.. هذا الإسفاف ليس له ما يبرره إلا محاولة إيقاف التنوير العقلي وكفاءة التنوع التعليمي العلمي وإلا فإن من يريدون من يرى المدعي وجوده في بريطانيا مثلاً على بعد ست ساعات طيران أو في أمريكا على بعد اثنتي عشرة ساعة بمقدورهم أن يحصلوا على هذه المحرمات بعد طيران ساعة أو ساعتين وبربع القيمة هناك..
أيضاً من يقول بأن ممارسة المرأة لبيع الملابس النسائية في المحلات التجارية هو ممارسة تؤدي إلى شيوع الاختلاط بين الرجل والمرأة.. حسناً.. منذ عشرات السنين بل مئاتها كيف لم يكن اختلاطا ممارسة المرأة للشراء من الرجل الذي يقوم بمهمة البيع.. كيف كانت الجدة قديماً تمارس «حش النباتات» برياً بمفردها.. كيف كانت «ترعى الغنم» بمفردها.. هذان نموذجان بسيطان جداً لا علاقة لهما إطلاقاً بحقائق مهمات التطور العلمي لكنهما نموذج إشغال ذهني لتوفير الركود عن نموذجيات هذا الانشغال..
نقلا عنالرياض
التعليقات 1
1 ping
23/01/2012 في 10:18 ص[3] رابط التعليق
مع احترامي الشديد للاستاذ/تركي السديري ، إلا أن مقالته تنقصها الوحدة العضوية … و عنوانها مغائرا لمضمونها( لأن المتن ناقش عدة قضايا وليس قضية الابتعاث فقط ) !!
قد يكون الاستاذ/ تركي على عجلة من أمره … اذا أردنا أن نلتمس له العذر !!! لأنه كاتب نحبه و نجله ..