يبدو أن اللوبي المتعاطف مع إيران داخل السعودية آخذٌ في التشكُّل شيئاً فشيئاً، بل واضحٌ أنه ذاهب بنا إلى أبعد مما كنا نتخيل. البعض يعتبر أنه لا ضير في ذلك، فالاختلاف في الرأي - كما يُقال - ضرورة حضارية، وهناك من هذا اللوبي مَن لديه وجهة نظر تؤمن بأن إيران دولة 'صديقة' وليست عدوة، على عكس تصرفاتها وأعمالها العدوانية المتواصلة، بدءاً باحتلال الجزر الإماراتية مروراً بالمطالبة بالبحرين كمحافظة إيرانية، ثم التدخلات التي لا تتوقف في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وأعمالها الإجرامية في مواسم الحج، وانتهاءً بتأييدها للمحتجين في البحرين الذين طالبوا بإسقاط الملكية وإقامة جمهورية إسلامية، ناهيك عن أعمالها الإرهابية هنا وهناك.
قد نفهم كل هذا ونعتبره، جدلاً، وجهة نظر يجب احترامها، أما أن تسعى إيران إلى فتنة بين السعوديين، عبر أحداث العوامية، ثم تأتي الطامة الكبرى، المثبتة بالدلائل والبراهين، بتآمرها لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، ويصف العالم المؤامرة بـ 'إرهاب دولي'، في حين تصفها السعودية بـ 'المؤامرة البشعة'، ثم يأتي مَن يرسخ قوة اللوبي الإيراني في السعودية، وفي هذا الوقت بالذات، متسائلاً عن المصلحة في 'تعادي' إيران والسعودية، بل ذاهباً إلى الحد الذي يرى أن'إضعاف إيران إضعافٌ للسعودية'، ويطالب في نهاية الأمر بأن 'يصمت الناعقون'، في سبيل 'بقاء مصالح الشعبين'، فلا نملك هنا إلا أن نقول: سبحانك اللهم هذا بهتانٌ عظيم!
الكلام بين المزدوجين أعلاه والتهوين من الأزمة الخطيرة، وربما غير المسبوقة، التي تمر بها علاقات السعودية مع إيران، لم يُنشر في صحيفة 'كيهان' الإيرانية المحافظة، أبداً، إنما نُشر على صدر الصفحة الأولى في صحيفة سعودية، تخيلوا، إذن نحن الآن أمام لوبي انتقل من مرحلة 'فوبيا إيران'، للقول إن هناك 'ناعقين' يسعون إلى تأزيم العلاقة السعودية مع إيران، فإذا آمنا بهذا الطرح، وأن كل مَن هاجم وانتقد العدائية الإيرانية الأخيرة هو كارهٌ للوطن و'ناعقٌ'، فماذا نقول عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم إيران والسعودية، عندما وصفت المؤامرة الإيرانية بـ 'الشنيعة'، هل هي أيضا 'ناعقة'؟ ماذا عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة؟ وهل التصريحات السعودية الرسمية الأخيرة المعلقة على المؤامرة كلها كانت تتجه للتأزيم، أم قامت بواجبها باتخاذ موقف 'محسوب' يحفظ مصالح 'البلاد' والعباد؟ هل يريد هؤلاء أن يواصل نظام الملالي في طهران، المرة تلو الأخرى، التعدي على السيادة الداخلية والخارجية للسعودية، والسعي إلى إضعاف هيبة الدولة، فإذا ما حذّر أحدٌ من العدائية الإيرانية، التي أضحت مكشوفة أمام دول العالم، خرج مَن يدافع عنها بطريقة مخجلة.
لأصدقاء إيران و'إخوانهم' نلفت جنابهم الكريم إلى تصريحات النائب الإيراني محمد عابدي، التي ردّت على الموقف السعودي المحسوب، عندما تبجح بالقول إن بلاده قادرة على دخول السعودية واحتلالها، ناهيك عن تصريحات مهدي طائب، المقرّب من الحرس الثوري، الكريهة والنتنة، التي لا تستحق أن نذكرها، أفبعد كل هذا لا تزال إ يران ليست دولة عدوة في رأي اللوبي الإيراني في السعودية؟ يبدو أن هؤلاء يريدون أن يُضرَبوا على خدهم الأيمن فيديرون لطهران الخد الأيسر. والحمد لله أن أغلبية السعوديين لم يتعودوا على مثل هذا!
نقلا عن الاقتصادية