حتى قيام الشاب التونسي محمد بوعزيزي بحرق نفسه في 17 ديسمبر 2010م لم يخطر في بال معظم صانعي ومنفذي السياسة الخارجية التركية -حديثي التجربة في الوضع العربي المعقد- ان تونس -وهي الدولة العربية الوحيدة التي استنسخت النموذج الاتاتوركي منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956م- ستقود معظم الدول العربية نحو موجة من الاحتجاجات الشعبية ستسقط العديد من الأنظمة العربية وستصل آثارها للحدود وربما للداخل التركي.
وفي العام 2011م كانت تركيا أمام امتحان صعب وتعرضت نظرية البروفسور احمد داوود اوغلو (تصفير المشاكل) الى اختبار عملي صعب مما جعل الكثير يشكك في نجاحها، رغم إصرار صاحب النظرية على ان المستقبل القادم هو لصالح تركيا، وأصبحت المثالية ومحاولة كسب الجميع وتأجيل المشاكل -والتي حاول إظهارها وزير الخارجية التركي- القادم من خلفية أكاديمية- من الماضي الحالم الذي يحتاج لإعادة تقويم.
ان انغلاق تركيا طوال العقود الماضية وغيابها عن الساحة العربية اثر تأثيرا واضحا على فهم تعقيدات ما يجرى في الدول العربية من قبل صناع القرار الحاليين والذين ربما لم يتوقعوا ان أمورا معقدة ستجبر تركيا على مراجعة كاملة وإعادة قراءة لآلية صنع القرار السياسي التركي بناء على المستجدات ورغم ترديد الزعامات التركية القول إنها تقف مع الشعوب العربية وتأكيدها على ضرورة الاستجابة للمطالب الديمقراطية وان العالم العربي الديمقراطي والمزدهر لن يكون منافسا لتركيا بل من شأنه ان يزيد من موقف تركيا في المنطقة قوة إلا ان النخب الكمالية في تركيا (والتي ما زالت تحتفظ بقوه لا يستهان بها في وزارة الخارجية والاستخبارات والجيش) تحذر من ان الديمقراطية الحقيقية في الدول العربية ستقود الى صعود المتطرفين الإسلاميين وهذا سينعكس بدوره سلبيا بطريقة ما على الوضع وعلى العلاقات مع تركيا.
ومن خلال تحليل مكاسب وخسائر تركيا يمكن الوصول الى نتيجة أولية ملخصها ان الأحدث في المنطقة العربية أثبتت ان انغلاق تركيا طوال العقود الماضية وغيابها عن الساحة العربية اثر تأثيرا واضحا على فهم تعقيدات ما يجرى في الدول العربية من قبل صناع القرار الحاليين والذين ربما لم يتوقعوا ان أمورا معقدة ستجبر تركيا على مراجعة كاملة وإعادة قراءة لآلية صنع القرار السياسي التركي بناء على المستجدات والتي ولدت محاور وتحالفات قائمة على خلفيات مذهبية وطائفية واضحة، ولذا يمكن القول ان التعاطف الشعبي العربي مع تركيا تعرض لانتكاسة واضحة وهي الدولة التي حاولت كسب الرأي العام العربي عبر التصعيد مع إسرائيل ودعم غزة المحاصرة واستغلال سوء علاقات معظم الدول العربية مع إيران بعد حدوث تناقضات في الموقف التركي تجاه الاحداث في تونس ومصر ثم ظهر ذلك جليا في رفض المشاركة في حملة الناتو على ليبيا ثم الهرولة نحو اللحاق بكسب رضا الثوار خوفا من حرمان أنقرة من مكتسبات إستراتيجية وأخيرا الموقف الضعيف والمتردد تجاه نظام الأسد والذي اثبت ان الساسة الأتراك مجرد ظاهرة صوتية.
نقلا عن صحيفة اليوم السعودية