تنفرد الغرفة التجارية الصناعية بالرياض على مستوى المملكة، وربما على صعيد العالم العربي والإسلامي، بوجود لجنة تعنى بالأوقاف، جاءت بمبادرة من الغرفة، بعد أن تنوعت أوقاف رجال الأعمال المنتسبين لها من عقارات وحصص وأسهم في شركات ومصانع ومزارع وغيرها، الأمر الذي تطلب وجود إطار تنظيمي يمكن لهم من خلاله أن يناقشوا كيفية تطوير وتنمية مشاريع أوقافهم وما يمكن أن تحقق هذه المشاريع من دعم للاقتصاد الوطني.
في هذا السياق تنظم الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، ممثلة في لجنة الأوقاف بها، خلال هذين اليومين « ملتقى تنظيم الأوقاف « ، الذي من أهدافه دراسة البنية التشريعية والتنظيمية لمشاريع الأوقاف في المملكة، والوقوف على أبرز المشاكل العملية لمشاريع الأوقاف وتحليلها، واقتراح الحلول العلمية والعملية لها، والاطلاع على التجارب المحلية والإقليمية والدولية المتميزة في مجال الأوقاف واقتراح حلول عملية لمساعدة رجال الأعمال وراغبي فعل الخير في تنظيم أوقافهم، وتفعيل مبدأ الشراكة والتعاون بين كافة الجهات المعنية بمجال الأوقاف، وذلك من خلال محاور الملتقى التي تشمل الإشراف على الأوقاف، ونماذج وقفية، واستثمارات الأوقاف، والأنظمة واللوائح الداخلية للأوقاف، ودور الهيئة العامة للأوقاف في حماية الأوقاف وتنميتها.
لقد ظل نظام الوقف، الذي يمثل صيغة متميزة إبتكرها المسلمون على مدى تاريخهم للتعاون الإنساني، منبعاً متدفقاً لا يكاد ينضب ل، تمكن المسلمون من خلال آلياته في المشاركة ببناء مجتمعاتهم، وإعمارها في مجالات عديدة، دينية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية وإنسانية، شملت أنشطتها مختلف أوجه الحياة، من بناء المساجد ومرافقها، ودور العلم والمكتبات، والمؤسسات الخيرية لكفالة الأيتام، وأيواء الفقراء والمساكين والأرامل، ومنشآت الرعاية الصحية وخلافها.
إن من أنواع الأوقاف المتعددة على مدى التاريخ الإسلامي، تلك التي كانت توجه لإنشاء دور الضيافة والإستراحات على طرق السفر، وبالذات التي يعبرها الحجاج والمعتمرون قاصدي المشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تلك التي من أبرز شواهدها التاريخية درب زبيدة الذي كان يربط العراق بالأماكن المقدسة، والتي أقامت السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد المحطات والاستراحات عليه والتي لايفصل بين كل محطة وأخرى وفق ما تذكر بعض المصادر التاريخية أكثر من 50 كم، فلماذا لا يستدعي رجال الأعمال لدينا بمناسبة هذا الملتقى بعضاً من الإرث التاريخي في نظام الوقف لدينا فيوجهوا جزءاً من مشاريعهم الوقفية نحو هذا المجال من مجالات الخير وأعني استراحات الطرق بالمملكة، التي لا يعدم أحد من طرقها الإقليمية أو الدولية من أن يطرقه قادم للحج أو العمرة، من داخل المملكة أو خارجها، خلاف المسافرين العاديين من مسلمين وغير مسلمين، ممن يعتبرون في الواقع فرصة ثمينة أن يحتسب من يوقف بعض من الخدمات الإنسانية لهم سواء كانت دورات المياه، أو المصادر النظيفة للشرب، أو أماكن العناية بالأطفال وكبار السن والمعاقين من المسافرين المحتاجين لمثل هذه الخدمات، الأجر والثواب من المولى عز وجل، فالأوقاف الخيرية كما لا يخفى على رجال أعمالنا والموسرين منا ليست قصراً على دور العبادة، وإنما تتسع مجالاتها لتمتد لكل ما فيه خدمة للإنسان المسلم أو غير المسلم.
نقلا عن الرياض