أعادت موافقة مجلس الوزراء على نظامي الرهن والتمويل العقاريين الحديث مجدداً عن الأمنيات بحل مشكلة السكن وآراء مؤكدة بأن نظام الرهن العقاري سيخدم كل مواطن محتاج لتملك السكن وسيخفض أسعارالعقار.
ومع أن ما سأطرحه يخالف الموجة المصطنعة بتلك الآمال وما أتمنى حدوثه بانخفاض العقار الى المستويات المناسبة لدخل الشريحة المحتاجه لتملكه، إلا أنني أود أن أشير إلى أن تعدد التصريحات عن المميزات العامة للرهن العقاري وخصوصا لقطاع الأعمال وتأخر إقراره، ساهم في ارتفاع أسعار العقار وتأجيل الملاك بيع وحداتهم السكنية الخالية منذ سنوات، وما يهمنا هو أن لا نندفع مع الموجات التي اعتدنا على صنعها لترحيل مشاكلنا بمجرد إقرارالنظامين، لكون الرهن العقاري موجود فعلياً ولكن الاستفادة منه كتنظيم لخدمة الشريحة الأكبر من المجتمع مرتبط بعوامل أخرى هامة، فلا يكفي أن نقنع المواطن بأن ما سيدفعه كقسط لتملك مسكن غالي الثمن هو بديل للإيجار السنوي ونحن نرفض آليات أكثر فاعلية لتخفيضه، إضافة الى أن الفرق كبير بين المبلغين ومستوى المنزلين مع مرور الزمن!.
فمعظم الآراء تذكر بأن الرهن العقاري سيمكّن المواطن من تملك المنزل بزيادة العرض وتخفيض البنوك لفوائدها بسبب انخفاض عنصر المخاطرة وتنظيم التثمين، وهذا صحيح وممكن حدوثه في أي دولة أخرى! لكون الوضع الحالي لدينا (قبل الرهن العقاري) يتمثل في أن البنك يشتري العقار المطلوب تقسيطه من المواطن بالقيمة السوقية العالية بموجب تثمين مكاتب العقار والتقييم، ويُسجل صك الملكية باسمه أؤ شركته، ثم يقسطه على المواطن ومع ذلك يأخذ فائدة مركبة تتجأؤز (4.5%) أي حوالي (100%) في (20) سنه! فالفلة الصغيرة تقسط حاليا ب(2.8) مليون ريال! هذا مطبق بعقارات مسجلة باسم البنوك ولا توجد مخاطرة لديها، أي أن الوضع حاليا للبنوك أفضل من الرهن العقاري القادم ومع ذلك لم تُخفض الفائدة، فما الذي يجبر البنوك على قبول التقييم العالي للعقار (غير المنظم) والشراء من البائع قبل إلزام المواطن بالتقسيط؟ كما يتوفر حالياً رهن عقاري في برنامج "مساكن" الذي لم ينجح كما خُطط له، وكذلك المئات من الفلل والشقق الخالية منذ سنوات، وأضيف بأن الشريحة المستهدفة من العقاريين هي الشريحة العليا وكذلك التي رواتبها فوق ال(15) ألف ريال سواء سعودية أؤ أجنبية وهي التي ستستفيد من الرهن العقاري فقط للاطمئنان بالتملك بدلا من الوعد بالتملك، أما الأقل دخلاً فلهم مشاريع الإسكان، تلك إستراتيجية كبار ملاك العقار في أي دولة! فالأهم لديهم الاستقرار بالمنطقة وأسعار النفط وضخ المشاريع.
أما مستوى الدخل لمعظم الموظفين والمتقاعدين الذين لا يملكون السكن فسيكون عائقا أمام تملكه، فبافتراض أن متوسط الدخل (8000) ريال وأن البنك سيقبل تقسيط (50%) من الراتب كيف سيتملك المواطن المسكن؟ ومع التفاؤل المطروح أن العقارات ستنخفض وأن قيمة الفلة الصغيرة ستصبح قيمتها نقدا مع تطبيق الرهن (900) ألف ريال، فإنه مع الفائدة المركبة لن تقل عن (1.7) مليون ريال أي سيحتاج أكثر من (25) سنة للسداد، فهل يمكن ذلك عمليا؟.
فالفائدة المركبة وجدولة السداد المعمول بها لدينا باشتمال الأقساط الأولى على الجزء الأكبر من الفوائد لمنع الاستفادة من السداد المبكر وتخفيض المبلغ المتبقي للبنك في حال البيع بعد التعثر يتطلب الأمر تعديلها لفائدة متناقصة بدل المركبة التي تمثل معوقاً كبيراً أمام نجاح الرهن العقاري في تملك السكن لشريحة لا يتناسب دخلها مع المستوى العام للمعيشة، علأؤة على خطورة أن الدين سيتوجب دفعه من الأموال الأخرى للمقترض وورثته في حال عدم كفاية قيمة الرهن المباع، ولكون الرهن سيوفر بسهولة سيولة جديدة لمجتمع غير مهيأ لذلك، فإن البعض سيلجأ لرهن منزله لأسباب الأسهم أؤ مشروع أؤ أزمة طارئة، ومع عجزه أؤ وفاته ستنهار الأسرة وستتشرد! ولعل نظام التنفيذ الذي صدر مع هذين النظامين ولم يعط التغطية الإعلامية اللازمة هو الأداة الفاعلة للبنوك وشركاتها التمويلية للحصول على أموالها وتسريع تنفيذ الحجز والبيع لمنزل المواطن المتعثر عن السداد لأشهر معدودة! ويبقى أن من يأمل بانخفاض العقار بسبب عرض البنوك لمنازل المتعثرين، فإننا نذكره بأنها أمنيات مبنية على آمال بتشريد أسرنا!!.
نقلا عن الرياض