تتابع السنين على الوحدات السكنية في أحيائنا القديمة، وربما كذلك الأحياء الأحدث منها نسبياً، دون أن تطالها جهود الترميم وإعادة التأهيل، يجعلها بلا شك عرضة لأن تهجر من سكانها الأصليين، وتصبح مجالاً لتقاطر الأيدي العاملة الوافدة للسكن بها، هذا إن لم تسلم من تحولها إلى استخدام آخر، كأن تمسي مستودعاً، أو ورشة لنشاط تجاري، أو مكاناً مقفراً إلى حين، لتتسع البقعة حيناً بعد آخر للحال التي آلت إليها تلك المساكن، فتضطر الأسر الأخرى من المواطنين المقيمين بهذا الحي مرغمين على تحمل تكاليف مالية مرهقة للبحث عن حي آخر للاستقرار مجدداً فيه.
التعامل مع هذه الظروف التي من الممكن أن تتعرض لها الأحياء السكنية، كأن تشيخ، أو تزحف نحوها الأنشطة الأخرى المحيطة، يتم في الواقع من خلال برامج وطنية تدعم إعادة تأهيل الوحدات السكنية في تلك الأحياء عبر ملاكها المقيمين بها، سواء كانت فيلات، أو شققاً، أو مباني سكنية متعددة الوحدات ومؤجرة يقيم في إحداها المالك لتلك الوحدات، وجعلها بالتالي ملائمة للاستخدام المحدد لها أطول فترة زمنية ممكنة.
هذه البرامج توجه عادة خدماتها للأسر المستحقة فعلاً لهذا الدعم من ملاك الوحدات السكنية في تلك الأحياء ممن دخلهم يتراوح بين المنخفض والمتوسط، وذلك عبر تلقيهم منحاً مالياً لا تسترد إلا حين الرغبة في بيع تلك الوحدة السكنية، وبالتالي انتقال ملكيتها للغير، وذلك من أجل حفزهم للبقاء في أحيائهم وعدم هجرها، أو قروضاً بتكاليف منخفضة جداً، وفي أحيان كثيرة بدون تكاليف يتحقق من خلال تلك المنح والقروض المالية تحسين البيئة العمرانية لتلك المساكن، وبالتالي ضمان توفر الحد الأدنى لعنصري الصحة والأمان في تلك الوحدات السكنية التي يجرى إعادة تأهيلها.
على مستوى الحي السكني، وجود هذا الدعم لبرامج إعادة تأهيل المساكن يؤدى إلى منع تدهور تلك الأحياء مهما امتدت بها سنوات العمر، حيث يعزز توفر مثل هذه البرامج من استقرار السكان في تلك الأحياء، والحد من تبعات تدهور حالة مبنى سكني على الوحدات السكنية المجاورة له.
برامج دعم إعادة التأهيل للوحدات السكنية لدينا في المملكة تقتصر فقط على قروض بنك التسليف من خلال خدماته الاجتماعية، التي من بينها قروض ترميم المنازل التي لا تتجاوز قيمة القرض الواحد 45 ألف ريال، كما يلزم أن تسدد تلك القروض على أقساط شهرية من قبل المقترض وهي بالكاد تصل إلى نسبة 10 % من إجمالي قروض بنك التسليف، التي يقابل الاحتياج لها وجود ما يزيد على 14 ألف وحدة سكنية ترصد على أنها آيلة للسقوط سنوياً، نتيجة عدم شمولها بأي برنامج لإعادة التأهيل، وبالتالي خروجها من سوق الإسكان في المملكة كل عام، وفقاً لبيانات خطة التنمية الخمسية الحالية، بل ويتطلب الأمر إحلالها بوحدات سكنية جديدة.
إن برنامج إعادة تأهيل الوحدات السكنية لدينا يحتاج إلى دعم مالي كبير ليساعد فئة كبيرة من الأسر للاستقرار في مساكنها وبالتالي في أحيائها السكنية، كما يحتاج إلى أعادة النظر في كيفية سداد قروض هذا البرنامج لتكون على نحو يدفع لبقاء الأسر مستقرة في الإقامة بمساكنها وأحيائها أطول فترة ممكنة، لنقلل تبعاً لذلك من التدافع على قروض الإسكان الحكومية، والطلب على الوحدات السكنية الجديدة المتاحة في السوق.
نقلا عن الرياض