تساؤل كبير يطرح نفسه، يحاول البحث عن الإجابة الصحيحة والدقيقة لدى أهل الاختصاص والمهتمين بهذا الشأن: "هل المدينة المنورة بالفعل عاصمة للثقافة الإسلامية؟"، وهذا التساؤل تتبعه عدة أسئلة أظنّها تستحق الإجابة عليها، فإذا كانت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فما المؤشرات الدالة، وهل يوجد منها ما يُؤكِّده لأهل وسكان هذه البلدة الطاهرة وزوارها، ويمنحهم الإحساس بالفخر والاعتزاز، وهل ستوجد على أرض الواقع الملموس من الحقائق ما يمكن الوصول إليه بيسر ودون مشقة وخاصة لأبناء الجيل المعاصر، وإذا كان سيُوجد من المؤسسات العدد الذي يتناسب ومكانة هذه البلدة الطيبة وتاريخها، فأين هي؟ ولماذا لا تبرز جهودها ونشاطاتها ومنتجاتها للجميع؟ وإذا لم يكن ثمة مؤسسات أو لا يوجد العدد الكافي منها فهل لدى الجهات المعنية كوزارة الثقافة والإعلام مثلًا خطة مدروسة لتحقيق ذلك؟ ولعل من المناسب التساؤل كذلك عن الجهود الشخصية من أبناء المدينة المنورة "الأكاديميين والمتخصصين" ودورهم في هذا المجال، وهل لأي منهم أي محاولة سابقة أو جهد؟!
إنها مناسبة عظيمة حقًّا تستحق منّا جميعا العمل الجاد لإبراز حقيقة مكانة المدينة المنورة "الدينية والتاريخية والثقافية" بأسلوب معاصر وحضاري، واستثمار هذه الفرصة التاريخية لتعريف أجيال اليوم بتاريخ ومكانة مدينتهم المنورة، وغرس محبتها وتعظيم قدرها في نفوس الكبير والصغير، الزائر والمقيم جميعًا، لأن عدم وجود هذا الإحساس وفقدانه في أعماقنا له سلبيات عديدة من أقلّها عدم الالتزام بآداب سنة نبينا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام قولا وتعاملا، ناهيك عن ممارسة البعض لسلوكيات لا تمت إلى أخلاقيات مجاورة خير الخلق عليه الصلاة والسلام، ولذلك لابد من تكرار القول بأن مناسبة المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية يجب أن لا تمر بنا كغيرها من المناسبات الكبيرة؛ التي حوّلناها إلى مجرد لوحات إعلامية ودعائية، وفعاليات لا تترك بصمة إيجابية في مكونات شخصيتنا!!
وليس مبالغة أو خيالا المطالبة بإنشاء مركز حضاري يتناسب حجما وموقعا وتجهيزا مع مكانة المدينة المنورة وتاريخها وتراثها العلمي والثقافي، وهذا ما كان يأمله الكثيرون من أبناء ومحبي هذه البلدة الطاهرة، وأن يكون تدشينه مع انطلاقة فعاليات هذه المناسبة، ولكن وحتى كتابة هذه الأسطر لا يظهر في الأفق ما يشير إلى ذلك، رغم الوعود التي أُطلقت خلال الاجتماع الذي عُقد العام الماضي، ومن الطبيعي أن يضم هذا المركز قاعات محاضرات وقاعات عرض ومكتبات ومرافق تُوفِّر ما يحتاج إليه زوّاره وطلاب العلم والثقافة، وإطلاق منظومة فعاليات بعضها خاص بهذه المناسبة، غير المناسبات الدائمة أو الموسمية، ذلك أن المدينة المنورة بحاجة أصلا لمثل هذا المركز!!
وأخيرًا لابد من التذكير بأهمية هذه المناسبة، فهي تستحق التعامل معها بجدية واقتدار، وأن لا تكون مثل بعض مناسباتنا العامة التي أصبحت مجرد برامج إعلامية تفتقد الحيوية والجدية والجدة!!
نقلا عن المدينة