شعر أبي مراد / عبدالله مليح الاسمري
اللوحة الأولى..
الشَّمسُ بعدَ عَناءِ اليَومِ مُبحِرةٌ
وَالأُفْقُ لَوحةُ أَنوارٍ وَأَلوانِ
وَصَفحَةُ الماءِ مِرآةٌ تُعاكِسُها
حَـتَّى تَجَلَّى لِطَيفِ الحُسنِ وَجهانِ
اللوحة الثانية..
وَبَينَما كانَ سِحرُ الشَّمسِ يَأسِرُني
جاءَتْ مِن الشَّرقِ شَمسٌ أَسرُها آني
تُصغي إِلى نَغَمٍ عَذبٍ وَقَد وَضَعَتْ
سَمَّاعَتَيها كَأَقراطٍ بِآذانِ
وَمِنْ تَرَنُّمِها أَدرَكتُ أنَّ بِها
مَسُّ مِنَ الحُبِّ لا مَسُّ مِنَ الجَانِ
تَختالُ فَوقَ بِساطِ الرَّملِ حافيةً
خُلخالُها في بَياضِ السَّاقِ خَطَّـــانِ
قَوَامُها كَانَ مَحفوفًا بِمِعطَفِها
كَمُقلَةِ العَينِ إِذ حُفَّـتْ بِأَجفانِ
تَمُرُّ مِن بِينِنا مَرَّ السَّحابِ على
لُهاثِ صَادي لِسُقياها وَظمآنِ
اللوحة الثالثة..
قَد كُنتُ في هَدأةِ اللاوعي مُنسَجِمًا
أشدو بِبَعضِ نِزاريَّاتِ قَبَّاني
حِينَ استَقَرَّتْ على شالٍ ومِنشَفَةٍ
أغارها في ثنايا الرملِ ردفانِ
اللوحة الرابعة..
يا لَيتَني البَحرُ يا حَسناءُ تَفتَرشي
رَملَ المَحَبَّةِ في أَحضانِ شُطآني
لَـــرُبَّما تُسمعيني ثَـمَّ أُغنيَةً
كَيما تُراقِصُ أَمواجي وَأَحزاني
حَتَّى إِذا جَنَّ لَيلُ الشَّوقِ وَانطَفأت
مَراصِدُ اللومِ مِنْ وَاشٍ وَفَتَّـانِ
دَنَوتُ مِنكِ دُنوَّ المَدِّ جَاذَبَهُ
بَدرُ اكتِمالٍ بِلَيلٍ وَادِعٍ هاني
أنسابُ عَبرَ نَسيجِ الرَّملِ تَحمِلُني
أَنفاسُ عِطرِكِ في زَهوٍ وَإِذعانِ
حَتَّى إذا اختَلَطَتْ أَنفاسُنا عَبَقًا
وَتَرجَمَ الصَّمتُ شَوقَ المُدنَفِ الدَّاني
عَينايَ تُبحِرُ في عَينيكِ قَائلَةً
سَعدي بِلُقياكِ أَعياني وَأَنساني
اللوحة الخامسة..
أَمِنْ جِنانٍ أَتيتِ يا معذبتي
أم أنتِ ظِلُّ نَعيمٍ وَارِفٌ ثاني
قُولي بِرَبِّكِ كَم خَضراءَ مُورِقَةٍ
قَد صَاغَكِ للهُ مِنها خَلقَ إِنسانِ
الثَّغرُ مِن زَهرَةِ الجوريِّ لَمعَتُهُ
يَزهو بِلَونِ ابتِهاجِ الأَحمَرِ القَانِي
وَالعودُ مِن عَبَقِ الأَنداءِ بِنيَتُهُ
غُصنٌ مِنَ الشِّيحِ أو غُصنٌ مِنَ البانِ
سِحرُ التَّفاصيلِ أَعيَى فُرشَتي وَفَمي
وَرَسمُها فَاقَ تَعبيري وَألواني
اللوحة السادسة..
بَينَا أَنَا وَبِساطُ الرِّيحِ يَحمِلُني
ما بَينَ حُلْمٍ خَياليٍّ وَعَقلاني
أَدرَكتُ أَنِّي غَريبُ وَالنَّوى سَفَري
لا البَحرُ بَحري وَلا الشُّطآنِ شُطآني
أَطلَقتُ أَجنِحَةَ الإلهامِ تَحمِلُني
عَبرَ القَوافي إلى آفاقِ أَوطاني
أَلفَيتُها وَصَعيدُ الرَّملِ يَحضُنُها
وَالشِّعرُ يَحضُنُ آمالي وَأَشجاني