لعل من اللافت ما طالعتنا به الصحف السعودية الأسبوع الماضي من حديث عضوي مجلس الشورى حول مبررات عدم تأسيس صندوق سيادي حيث تحدث العضو الأول أن مبررات عدم التأسيس والاكتفاء باستثمارات مؤسسة النقد يتمثل في التخوف من "النهش" من مثل هذا الصندوق بينما برر العضور الآخر ضعف الكفاءات الوطنية كسبب لعدم تأسيس الصندوق!
لنبدأ بالحديث في موضوع النهش والذي شغل المجتمع والدولة لعقود طويلة لنقول إن النهش الذي تحدث عنه تعلم عنه الدولة جيداً ومعاش تنموياً بكل أسف ولم يكن بديل الدولة تعطيل التنمية بل اتخذت حزمة من الإجراءات المتنوعة، وبطبيعة الحال النهش موجود في العديد من دول العالم وعلى مختلف المستويات ولكن السؤال الآن هل منع النهش دول العالم من التوسع في إطلاق الصناديق السيادية؟
الإحصائيات تشير إلى أن الصناديق السيادية حول العالم في توسع منذ العام 2000 ميلادية وتأخذ أنشطة مختلفة بل وبعض تلك الصناديق لوجود أجهزة متخصصة انتهزت فرصاً حيوية خلال الفترة الماضية للاستثمار في العقارات خارج حدودها وكان ذلك واضحاً في الصندوق السيادي الصيني والذي استثمر في عدد من المدن البريطانية في مجالات مختلفة وصولاً إلى الاسثتمار في مبان تجارية وسكن للطلاب في لندن ومانشيستر، وما ينطبق على ذات الصندوق ينطبق على تجربة الصندودق السيادي السنغافوري "تيماسيك القابضة " والتي تستثمر في قطاعات متنوعة من الاتصالات إلى الإعلام والتقنية وغيرها من القطاعات الاقتصادية والذي بناء على أدائه استنسخت الصين صندوقاً سيادياً مشابهاً لأهدافه ليكون لديها صندوقان سياديان وهو ما سيحقق لأجيالهم فرص استقرار أعلى، بل ويمكن لمثل هذه الاستثمارات أن تكون ذراعاً استثمارياً يوظف لمصلحة سياستها الخارجية، كل ذلك يستدعي بالضرورة مراجعة آلية أداء الأعمال في القطاع العام لاسيما ما يعنى بالأجيال ومستقبل الوطن.
المطلوب الآن من مجلس الشورى هو تقييم كيف يمكن تأمين مستقبل أفضل للأجيال في ظل المخاطر القادمة وتأخر تنفيذ سياسات تنويع قاعدة الإنتاج الوطني والتي لا تزل تعتمد على النفط بمفرده كمصدر دخل وطني رئيس والذي بات من شبه المؤكد أنه لن يعول عليه كثيراً مستقبلاً خصوصاً مع تجارب الطاقة المتجددة، والبديل الأنجع الآن يتمثل في تأسيس صندوق سيادي أو أكثر للاستثمار في مجالات إستراتيجية، فالاستثمار في سندات الخزينة في الغرب قد لا يكون من أنجح الخيارات أمامنا مستقبلاً لا سيما مع ما تعانيه اقتصاديات الغرب من تدهور، وربما البديل الأنسب التوجه شرقاً وتحديداً لاقتصاديات الدول الناشئة كالهند وإندونوسيا وبنجلادش وغيرها.
وأما بخصوص المبرر الآخر لعدم تأسيس صندوق سيادي و هو عدم وجود كفاءات وطنية كما تحدث العضور الآخر، فمن الخطأ أن يعتمد عمل الصناديق على كفاءات وطنية فقط وتجارب العديد من الدول اعتمدت على كفاءات أجنبية ووطنية كذلك بل وفي بعض الدول كسنغافورة يعمل في صندوقها السيادي كفاءات متعددة الجنسيات، وأعتقد أن بمقدورنا الاستفادة من أي خبرات عالمية تساهم في تأمين مستقبل أفضل وهو واجبنا في سبيل حماية الأجيال والوطن لا سيما في ظل السيناريوهات التي تمر بها المنطقة وما تمتلكة الدولة من موارد مالية عالية.
نقلا عن الرياض