تختلف النظرة العربية للتاريخ عن النظرة الغربية الحديثة. ففي حين أن هذه الأخيرة ترى حركة التاريخ كخط تطور تصاعدي ينطلق من الماضي المنحط والمتخلف إلى المستقبل المتطور والمزدهر، نجد أن العرب لاسيما المسلمون منهم ينظرون إلى التاريخ في شكل ثلاث دوائر منفصلة تقل قيمتها التاريخية والحضارية من الأقدم إلى الأحدث. فالماضي في هذا التصور هو العصر الذهبي للحضارة، والحاضر يمثل عصر إنحطاط بسبب انفصاله عن الماضي. لذلك فإن أي رغبة في النهوض والازدهار يجب أن تعود إلى نقطة الانطلاق في الدائرة الأولى (بداية الماضي). إن مثل هذه النظرة قد أوقعت الأمة العربية في معضلة العلاقة بين الماضي والمستقبل مما جعل الماضي يستهلك الحيز الأكبر من هذه العقلية. وبما أن المسألة هنا تتعلق بالعودة إلى الماضي فإن هذا يعني الانفصال عن الواقع (الحاضر) والانكفاء على الذات بعيداً عن التفاعل مع العالم المعاصر. حيث برزت مقولات مثل: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". وهنا تكمن إحدى أكبر إشكالات ثقافتنا العربية الإسلامية. حيث نتج وكردة فعل على هذا التصور تيار آخر يرى أن نهوض الأمة العربية يكون بالقطيعة مع هذا الماضي (التراث) والأخذ بجوانب الحضارة العالمية الحديثة دون الالتفات للتاريخ والمخزون التراكمي للأمة. ويمكن أن نذكر هنا المفكر محمد عابد الجابري في كتابيه "نحن والتراث" الذي تم نشره في العام 1980م، و "نقد العقل العربي". ومن هنا بدأ الصراع بين هذين التيارين المختلفين الذي يرى كل منهما أنه يقدم الحل الأمثل لوضع الأمة الإسلامية الراهن. والحقيقة أن هناك خللاً في مفهوم التراث لدى كل الطرفين. حيث اقتصر مفهومه على تحقيق المخطوطات ونشرها، والحقيقة أن التراث العربي والإسلامي أشمل من عملية التحقيق هذه بكثير. ومن أهم جوانب هذا التراث المهملة حرية الفكر وحركة الأفكار. إن أي رغبة جادة في النهوض العربي يجب أن تنطلق من الممازجة بلين التراث بمفهومه الواسع لاسيما التراث الإيجابي وبين روح العصر الذي نعيش فيه وإنجازاته. فالقطيعة الإبستمولوجية الكاملة مع التراث مستحيلة، كما يستحيل على الأمة القطيعة مع العصر الذي تعيش فيه. ولقد حدد عبدالله العروي شروطاً ثلاثة للانبعاث الحضاري والثقافي العربي وهي: إحياء التراث، واستيعاب منطق الحضارة العصرية، وتحقيق نبوغ قادر على إقناع العرب وغيرهم.