تمر بعض الظروف والأحوال غير العادية على الأمم وعلى الدول والناس، مثل الحروب والكوارث والتغيرات المناخية وغيرها التي تضرب في صميم البناء الاجتماعي، وأحيانا تضطر الدول إلى إعلان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية لتركيز السلطة عند نفر قليل ممن يباشرون الأحداث يوميا، وتخولهم الصلاحيات التي تمكنهم من اتخاذ القرارات السريعة والفاعلة واللحظية حتى لا يكون في القرار المصيري إبطاء أو تأخير، ولا سيما في الدول التي تتبع الأنظمة الديمقراطية، حيث تدور القرارات دورة طويلة قد تفوت سرعة البت لمواجهة الحالة التي توجب اتخاذ القرار خارج الدستور أو خارج الأنظمة المعمول بها في الأيام العادية، والكوارث الطبيعية تستدعي إجراء العمل وإعلان حالة الطوارئ، ومنها الأمراض الوبائية التي تجتاح الدولة في بعض الأحيان.
وما يمر به العالم اليوم تحت وقع مرض كورونا يعد من أخطر الحالات التي تحتاج إلى اتخاذ القرارات الآنية السريعة، دون الحاجة إلى التروي والمراجعة واستصدار الأمر من الجهات العليا وانتظار الموافقة، ذلك ما يدعو ليكون القرار في الميدان ولمن يباشر الحالة الطارئة في وقتها وفي مكانها وزمانها الذي تحدث فيه، مثلما حدث في الأسبوع الماضي حين سمحت الجهات العليا بتخفيف الحجر المفروض منذ أسابيع على المدن في المملكة طلبا لسلامة الناس والمحافظة على مستوى معقول من الحركة بينها وفيها، حتى لا ينتشر الوباء بالسرعة التي تجعل الجهات المسؤولة في مشكلة أكبر من طاقتها واستيعابها، وهو الأمر الذي آتى أكله في تلك الأسابيع، حيث كانت السيطرة على المرض معقولة وكانت نسب الإصابات في المدن في حدود ما يمكن التعامل معه والسيطرة عليه وقدرة الاستيعاب لدى المستشفيات وطاقات العاملين فيها متسعة للمزيد.
ولكن ما إن خفف الحجر وأعلن السماح بتمديد الوقت وأحس الناس بشيء من حرية الحركة والتنقل حتى انطلقوا لا يلوون على شيء لحاجة ولغير حاجة، امتلأت الأسواق واكتظت الشوارع بالسيارات، مما أحدث شيئا غير معقول من الازدحام الذي لا يمكن تبريره بغير الشعور بتعويض الحرمان من الحركة بالأيام الماضية حين كانت الجموع محصورة في المنازل، فجاء التعويض بالزحمة غير المبررة، مما ضاعف خطر العدوى وضغط على المرافق العامة وأربك الطواقم العاملة في الميدان من جميع الجهات الصحية والأمنية ومقدمي الخدمات كالمطاعم والمقاهي وغيرها.
وهنا يأتي معنى أن يترك للمباشرين للمسؤوليات فرصة التصرف حسب مقتضى الحالة التي يقررها من كان في الميدان في كل مدينة وفي كل حي،
بل يترك تقدير هذه الحالات بشكل جزئي للمباشرين ويسمح بتغيير القرارات حتى ولو في الساعات المحدودة من النهار، فلو جعل شرط السماح بالحركة داخل المدن عائدا لملاحظة العاملين الميدانيين وحسب تقديرهم لكل يوم بيومه، أي أن تتخذ كل مدينة كبيرة مثل الرياض وجدة ومكة وغيرها القرار الذي يراه القائمون فيها، ويعلن ما تراه الفرق الميدانية كل أربع وعشرين ساعة، مع أهمية التنظيم وألا يترك الحبل على الغارب لمن أراد أن يخرج لأنه أصيب بالممل من الجلوس في المنزل بعض الأيام.
نحن في وضع غير عادي ونواجه وباء خطيرا تفشى بسرعة، والواجب مساعدة جنودنا في الميدان من جميع الكوادر الطبية الشجاعة التي تضحي براحتها وتخاطر بصحتها من أجلنا ومن أجل سلامتنا، ومثلهم في التضحية والشجاعة رجال الأمن الذين يسهرون على أمن الأصحاء في منازلهم والمرضى في أماكن وجودهم، هذه الجهات تستحق منا جميعا العون لمساعدتها حتى ولو كان على حساب بعض مطالبنا أو رغباتنا بالفسحة والخروج والنزهة.