حضرت قبل حلول عاصفة كوفيد 19 كعضو في جمعية كتاب الرأي لقاء بمدينة الخبر بالمنطقة الشرقية مع أحد كبار مسؤولي وزارة الصناعة والثروة المعدنية، الذي أشار في حديثه المفصل إلى أهمية اللجوء لتقنيات الذكاء الاصطناعي بما يعرف بمسمى «الأتمتة»، ودورها في صناعة النهضة السعودية القادمة وفق رؤية 2030.
وبحسب ما أشارت جريدة «الاقتصادية» في تقريرها حول تقنيات الأتمتة الذكية فإن فوائدها ستزيد اقتصاد المملكة بمقدار الضعف بحلول عام 2030، وهو ما يرفع قيمة الاقتصاد السعودي إلى 1,6 تريليون دولار.
وفي الإطار ذاته فقد نقلت وكالة الأنباء السعودية مؤخرا تأكيد نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية أسامة الزامل بأن خطة الوزارة تهدف إلى تحويل 4 آلاف مصنع من الاعتماد الكثيف على العمالة الوافدة إلى الأتمتة الصناعية الرقمية، مضيفا أن حلول الابتكار والتكنولوجيا من أهم الممكنات الأساسية لتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة عالميا، وبخاصة مع الاستفادة من تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.
أشير إلى كل ذلك مع تحفظي الثقافي الإنساني على الانسياق بسرعة وراء مفهوم «الأتمتة» في جانب كبير من منظومتنا الاقتصادية، لما في ذلك من خطورة على أنسنتنا التي باتت متلاشية يوما بعد يوم في ظل تسيد الأجهزة الذكية، واعتمادنا عليها بشكل مباشر بعيدا عن أي تواصل حميمي مع إنسان تستشعر معه دفء الحديث، أو حتى يثير فيك بعض سخط، لكنها الحياة بحلوها ومرها كما يقال.
أعود لأقول إني أشرت إلى ذلك لألفت النظر إلى قطاع تغفل الجهات المعنية اليوم عن أتمتته بشكل سريع ومباشر، ويستحق ذلك فعلا. وهو قطاع النظافة الموكل إلى أمانات وبلديات المدن بوجه عام. هذا القطاع الذي صار مجتمعنا يعاني من سوئه وأضراره الصحية والنفسية يوما بعد يوم، فما أسوأ أن يرى أحدنا أكوام الزبالة متناثرة بكثرة وعشوائية حول حاويات النظافة المنتشرة هنا وهناك، ويزيد من تناثرها بعد ذلك عبث أيدي ما نسميهم محليا بـ»الحجات» اللاتي يتجولن دون حسيب ورقيب، بعربية طفل قديمة، ويقمن بالتفتيش في أكوام الزبالة بشكل عبثي بحثا عن علبة بلاستيكية أو معدنية، بهدف بيعها بعد ذلك. ويزداد الأمر سوءا حين تتأخر شاحنة النظافة عن موعدها لسبب أو لآخر، لتجد نفسك تعيش بين أكوام متناثرة في كل شارع وكل ناصية، وأسوأ من ذلك حين تكون حاوية الزبالة منصوبة بتوحش أمام بيتك، ولعمري فتلك من نقم الحياة عليك، وذلك بمجمله من أسوأ المشاهد التي تتعارض مع قواعدنا الإيمانية الداعية إلى النظافة، ومرتكزات نهضتنا التي نصبو إليها، وتهدف رؤية 2030 لتحقيقها.
والسؤال: أليس من حل جذري يمكن أن تقدمه تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنهاء هذا الأذى الدائم؟ وأمام هذا المشهد المسيء، ألا يجب أن تتحرك وزارة الشؤون البلدية والقروية ومختلف الأمانات والبلديات لإقرار نظام الأتمتة وتحويل حاويات النظافة الثابتة في الأحياء من شكلها الظاهر إلى شكلها المخفي؟ وأؤمن بأن الأمر ليس صعبا أو مستحيلا، ولن يكلف كثيرا كما يتصور البعض، لأننا وبآلية معينة يمكن أن نجهز النصف فيما نمتلك مقومات النصف الآخر أساسا، ويبقى الحال مرهونا بمدى إرادة واستشعار المسؤولين لأهمية ذلك من قبل ومن بعد.
في هذا السياق كم تخيلت قيام الجهات المعنية بحفر مواضع لحاويات الزبالة الحالية، ترتفع بقاعدة هيدروليكية حال إفراغها من قبل الشاحنات الموجود حاليا، ويتم تغطيتها بسياج حديدي مزود بمكبس ذاتي ليتيح مساحة أكبر، ويعطي وقتا زمنيا أوسع لموعد إفراغ محتواها، ويكون فتح الغطاء بأسلوب تقني وقت عملية الإفراغ، كما تبرز منه أسطوانة عمودية مزودة بمفرمة آلية لكل ما يصب بداخلها.
لا أظن أن ذلك صعبا أبدا، ودولة فتية قوية كدولتنا يمكنها تنفيذ ذلك بسهولة، ولا سيما أننا في عهد التمكين والتحديث والعمل الجاد بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله، وأؤمن بأن وجود حاويات الزبالة بالصورة التي هي عليها الآن من العشوائية المقيتة، وليت مسؤولي الأمانات والبلديات ومن قبلهم وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان يدركون بأن النظافة عنوان، وأن كل الدول المتقدمة تحرص على أن تكون في قمة نظافتها بشكل مهني وفاعل، وأننا نملك القدرة لأن نكون مثلهم، فكيف إذا كانت النظافة جزءا من وجداننا الإيماني.
نقلا عن صحيفة مكة - مرسلة من الكاتب