ظهرت كتابات كثيرة في الشرق والغرب منذ العام 1948م وإلى اليوم تبحث في أسباب إخفاق الفلسطينيين على مدى تلك الأعوام في إيجاد حل للقضية الفلسطينية رغم عدالتها كقضية شعب انتزع من جذوره في ظروف مأساوية، وترويض هذا الشعب لكي ينسى بيئته وثقافته ووطنه، وهو ما عبرت عنه الكاتبة الفلسطينية الأميركية سوزان أبو الهوى في روايتها (صباح في جنين)، حيث تقول: "أربعون جيلاً من الذكريات... كل ذلك جرفه إحساس أناس آخرين بأحقيتهم بالمكان، أناس يستوطنون الفراغ ويعلنون أن كل شيء كل ما تبقى... كل ذلك ملك يهود أجانب قدموا من أوروبا وروسيا والولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم".
وفي كتاب (The Palestinians) للكاتب Jonathan Dimbleby، والذي يعرض فيه صورة الشعب الفلسطيني في الإعلام الغربي، والتي ظلت لفترة طويلة صورة مهزوزة ومشوهة، غير أن هنالك أفراداً حاولوا نشدان الحقيقة، وبذلوا مجهودات كبيرة لاختراق الحاجز الضبابي الكثيف الذي بثته أجهزة الإعلام المناوئة للقضية الفلسطينية.
وقد تكون وجهات النظر المتعاطفة مع الفلسطينيين ليست في مستوى طموحات القضية العربية، إلا أنها محاولات ينبغي أن يشار إليها على أنها خطوة في طريق إشراق الصورة العربية والصورة الفلسطينية في وسائل الإعلام الغربية.
وفي هذا العرض، نقدم عملًا قام به جونثان دمبلباي مستخدمًا الكاميرا والكلمة للتعريف بالشعب الفلسطيني، وما آل إليه بسبب التعنت والدعم الغربي المستمر لقيام دولة إسرائيل.
التحق جونثان دمبلباي بإذاعة وتليفزيون BBC في العام 1969م مذيعاً ومعلقاً، انتقل بعد ذلك إلى تليفزيون ITN بلندن حيث صار معلقاً سياسياً ومذيعاً تلفزيونياً مرموقاً، واشتهر ببرامجه ورسائله الإخبارية التي يبعثها من قبرص والشرق الأوسط والهند وبنغلاديش وشيلي ونيكاراغوا وردوسيا وأثيوبيا.
وقد حصل دمبلباي على كثير من الجوائز البريطانية تقديرًا لمساهماته الإعلامية البارزة ودوره في تعريف الشعب البريطاني بحقائق الأوضاع الفلسطينية خارج الجزر البريطانية.
وتعبر صورة غلاف الكتاب عن حقيقة مأساة الفلسطينيين، إذ إن المؤلف اختار رجلاً مسناً كان طفلاً صغيراً عندما تم إعلان وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
وظل هذا الشيخ المسن أكثر من ثلاثين عاماً في مخيمات اللاجئين، إذ إن مخيمات اللاجئين لا تختلف عن أي قرية عربية، بيوت بيضاء يتخللها شارع رئيس وعدد من الأزقة.
فجذور الصهيونية تعود إلى العام 1897م عندما عقد المؤتمر الصهيوني الأول بتنظيم من ثيودور هرزل، الذي يعتبر أبا الحركة السياسية والمعروفة الآن بالصهيونية، ومما قاله هرزل في المؤتمر الذي عقد في مدينة بازل: "إننا نجتمع هنا من أجل إرساء حجر الأساس لوطن قومي لليهود"، وهكذا بدأت الحركة الصهيونية بتجميع اليهود وتعدهم بالانعتاق من الحواري والأزقة الفقيرة في أوروبا إلى الوطن الموعود في فلسطين .
واقترح هرزل وقتها أن يقام الوطن اليهودي إما في الأرجنتين أو أوغندا، وتم استبعاد أوغندا لأن المستعمرين البيض ما زالوا هناك وربما يقاومون الوجود اليهودي في ذلك البلد الإفريقي.
وهنالك سؤال مهم واجه أولئك المؤسسين الأوائل، وهو أنه بأي حق يقوم اليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين؟
إن فلسطين ليست أرضًا جرداء بلا شعب تبحث عن هوية، إنها بلد له حدوده وهويته، ومعروف في خريطة العالم وفوق ذلك بلد يسكنه الشعب الفلسطيني، ومن هنا نشأ أصل الصراع الدامي في الشرق الأوسط.
وفي العام 2012م صدر كتاب (جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين، الكونت فولك برنادوت) للكاتب السويدي يوران بورين، يتناول الكتاب قصة الكونت برنادوت مع قضية فلسطين والذي اختارته منظمة الأمم المتحدة عام 1948م ليكون وسيطًا في فلسطين بين العرب واليهود بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، واستطاع أن يحقق الهدنة الأولى بين الطرفين في 11 يونيو 1948م، وكان برنارد قد اقترح عبر خطته للسلام في 27 يونيو 1948م بقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم واستعادة ممتلكاتهم، وأثارت هذه الاقتراحات حفيظة اليهود، فاغتيل قبل أن يكمل مهمته.
وفي العام 2017 أصدر المؤلف كتابًا آخر بعنوان (القيمة المتساوية لجميع البشر)، وهو كتاب يتحدث عن واقع اللاجئين في فلسطين.
كما تناول الكاتب العراقي أمين المميز في كتابه (أمريكا كما رأيتها) والذي يبحث في أحد فصوله أسباب إخفاق الفلسطينيين في الظفر بقضيتهم، وتساءل الكاتب هل يعود هذا إلى الذهنية الفلسطينية التي ترفض ثم تعود إلى ما ترفضه فلا تجده، فقد رفضوا التقسيم والفيدرالية ومن ثم رجعوا يطالبون بالمشروعين فلم يحصلوا عليهما.
ويتساءل الكاتب لو أن ساسة فلسطين قد أخذوا بالسياسة الواقعية لما وصلت الحال إلى ما نشاهده اليوم من مأساة واستصغار، أخطاء كثيرة قد لا تدخل تحت الحصر في معالجة القضية الفلسطينية تكمن في خطط غير مدروسة رغم عدالة القضية الفلسطينية.
ويتساءل الكاتب مرة أخرى هل كان الفلسطينون بعيدين عن الهدف الحقيقي فيما يخص قضيتهم أو أنهم لم يكونوا سائرين على الطريق الذي يؤدي بهم إلى الحل.
لقد مضت سنوات عديدة على الوعد المشؤوم، حين أصدر اللورد بلفور وزير الخارجية البريطانية آنذاك وعداً بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ومن سوء الحظ أن معظم العرب لم يشعروا بعمق الخطر ولم يدركوا حقيقة النيات الصهيونية العدوانية التوسعية إلا في وقت متأخر، غير أن بعضهم كان مدركاً منذ البداية للمخططات الصهيونية، شاعراً بأن الخطر إذ لم يتوقف عند حده فإنه سيستشري، وأن الأخطبوط الصهيوني إذا لم يطوق فإنه سيمتد إلى سائر أنحاء العالم العربي.
وكان في طليعة هؤلاء الزعماء الملك عبدالعزيز والذي كان واسع الاطلاع عميق المعرفة بقضية فلسطين، فكتب حينها إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت يحذره من خطر الهجرات اليهودية على فلسطين.
لقد جعل الملك عبدالعزيز قضية فلسطين شغله الشاغل، فكانت هي النقطة الأساسية في سياسته الخارجية على الصعيدين العربي والدولي.
متحدثاً أكثر من مرة إلى الرئيس الأميركي روزفلت وإلى الحكومة البريطانية في عدة مناسبات بأن العرب هم سكان فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ وسادتها والأكثرية الساحقة فيها في كل العصور، وبما أن قضية فلسطين هي في نظر الملك عبدالعزيز قضية العرب الأولى فقد أدرك أن ما زرعه وعد بلفور في الأرض المقدسة وأخذت أميركا تتعهده بالعناية والرعاية يستوجب تحركاً سريعاً وموقفاً واضحاً صريحاً، ومن هنا كانت مخاطبة الملك عبدالعزيز المسؤولين الأميركيين باستمرار لشرح القضية الفلسطينية وإظهار وجه الحق والعدل فيها.
نقلا عن الرياض