ختُتمت فعاليات النسخة السادسة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض بنجاح كبير في التنظيم الذي جمع تحت سقف واحد لنحو 6 آلاف مشارك بينهم شخصيات اقتصادية بارزة من رؤساء أكبر البنوك العالمية وكذلك الشركات العاملة بمختلف المجالات، إضافة إلى مستثمرين من مختلف دول العالم، وبمشاركة فاعلة من قبل مسؤولين بارزين أيضاً، حيث تحدث في ثلاثة أيام 520 ضيفاً في نحو 180، جلسة ناقشوا الاستثمار بالإنسانية بخلاف مواضيع الساحة الملحة حالياً التي تعصف بالاقتصاد العالمي. فقوة هذا المؤتمر أصبحت مؤثرة ويُعد من الأهم على مستوى العالم حالياً، إذ يمكن قراءة واستنتاج ليس فقط الواقع الحالي للاقتصاد بل التوجهات المستقبلية له وأين ستتجه أموال المستثمرين وتوقعاتهم لمستقبل كل قطاع حديث أو تقليدي، والكثير من التفاصيل. فهذا المؤتمر لا يمكن عقده بسهولة سنوياً إذا لم تتوافر عوامل عدة كالخبرة في تنظيمه، والأهم جاذبية المملكة اقتصادياً لتلك الشخصيات العالمية التي قد يكون مجموع ما يديرونه من أصول يصل لعشرات التريليونات من الدولارات.
لكن ما يلفت النظر هو شبه الإجماع على أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة دقيقة ومنعطف تاريخي، فالملفات التي تواجه الدول معقدة ومتشعبة، ورأي غالبية المتحدثين عن أوضاع الاقتصاد العالمي أن الركود الذي ستواجهه اقتصاديات كبرى ليس فقط أمراً محتملاً بل متيقن من حدوثه، ولكن سترافقه ضغوط شديدة على صانعي السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية خصوصاً أن أزمة اقتصاد العالم اليوم ليست تقليدية بطبيعتها، فهي بدأت بتأثير من أزمة صحية بسبب جائحة كورونا ومازالت حالة الاستنفار الدولي قائمة للسيطرة عليها إلا أن توابعها بدأت بإشكاليات بسلاسل الإمداد أدت لشح المعروض ونمو الطلب على السلع والمنتجات مما أدى لتضخم بالأسعار لم تسلم منه أي دولة، إلا أن الأحداث الجيوسياسية والمتمثلة بحرب روسيا على أوكرانيا فاقمت من حجم الأزمة وأضافت بُعدًا جديدًا لتعقبداتها، وهو الأثر الذي لا يمكن للسياسات التي تستخدم للجم التضخم أن تكون مفيدة، إذ ستقف تأثيراتها عند حد معين لا يمكن بعده أن تؤثر بخفض التضخم، فالمخاوف من التوسع بالعمليات العسكرية في أوكرانيا تجعل الجميع مرتبكاً كمستمرين ومستهلكين وذلك لخوفهم من أن تخرج هذه الحرب عن السيطرة وتنتقل لصدام مباشر بين روسيا وحلف الناتو، وهو ما يعني حرباً عالمية ثالثة، وقد لا يكون هناك أي خطوط حمراء باستخدام أسلحة غير تقليدية فيها كالسلاح النووي ولذلك يشعر العالم بالقلق اتجاه هذه الأزمة، وهو ما جعل بعض كبار الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين ينظرون لسياسات الفيدرالي الأمريكي أنها غير مجدية لخفض التضخم بنسب كبيرة نظراً للعامل الجيوسياسي المجهول النهاية.
الاقتصاد العالمي يمر بمنعطف تاريخي تتشكل معه أقطاب جديدة وتتوسع فيه تحالفات اقتصادية مؤثرة عالمياً. ومن المتعارف عليه أن تحدث بعد الأزمات مثل هذه التحولات فقراءة المشهد اليوم ووضع السيناريوهات لما ستنعكس عليه كل هذه الأحداث بالمستقبل يمثل كل ذلك أساساً للتخطيط للاستفادة من هذه الأزمة والتحالف مع توجهات الاقتصاد العالمي المستقبلية قطاعياً وجغرافياً مع ارتفاع حجم الناتج المحلي وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وزيادة التنافسية عبر كل الإستراتيجيات والبرامج التي اعتمدت تحت مظلة رؤية 2030 .
نقلا عن الجزيرة