السياسة الاقتصادية الفاعلة هي تلك القادرة على تطوير القدرات الذاتية من موارد وطاقات بشرية وتنظيمية لتحقيق نمو اقتصادي متوازن. كل الدول تمارس سياسات اقتصادية تحت هذا العنوان الجامع، ولكن بفاعلية تختلف اعتماداً على الظروف الموضوعية وكفاءة الأجهزة القائمة على إدارة الشأن الاقتصادي. لذلك فإن نقطة البداية في أي تحليل اقتصادي تبدأ من تحديد القدرات الذاتية، لعل الاختلاف على هذا التحديد هو مصدر الإشكالية في فهم، ليس طبيعة الاقتصاد السعودي فحسب، بل المرحلة التاريخية والاستعداد لاستخلاص الأوليات ورسم السياسات.
الإشكالية في تحديد القدرات تبدأ من الانصياع خلف نماذج مسطحة؛ إما بالتبعية الفكرية وإما عدم الثقة بالنفس في طرح نماذج صالحة لواقعنا، فمثلاً نجد أننا نأخذ بأدبيات قياس الأداء الاقتصادي المعروفة ونحاول تطبيقها على أوضاع اقتصادية تختلف جذرياً في المملكة عن ليس فقط أمريكا، بل حتى تركيا. تفصيلياً نأخذ بقياس الدخل القومي الإجمالي لتحديد النمو الاقتصادي، فنجد كل المسؤولين الاقتصاديين يتحدثون، وكأن هذا المعيار أو الاشتقاق الآخر منه مثل نمو القطاع غير النفطي هما الشهادة على أدائهم، ولكن الخافي أعظم. ولكن هذه المعايير شبه الواهية لا تذكر شيئاً عما يهمنا جميعاً مثل البطالة والإنتاجية والموازنة بين دولة الرفاه واستغلال الموارد الهيدروكربونية دون تحديد يقف لهذا الاستهلاك الجائر على حساب الاستحقاقات المستقبلية.
يعرف القاصي والداني أنه لا يمكن أن تفكر في اقتصاد المملكة دون أخذ مركزية قطاع الطاقة في الحسبان، ولكن الإشكالية في هذه المعايير الفضفاضة والمضللة أنها تساعد على إخفاء حقائق الأداء الاقتصادي من الإنتاجية إلى التوظيف الفاعل للطاقات البشرية السعودية إلى قبول استحقاقات الاقتصاد الريعي من خلال التعامل مع قطاع الطاقة بجدية. فنجد مسؤولا وأحياناً منظرا يتحدث عن الاقتصاد السعودي على ارتفاع عشرة آلاف قدم، وكأن هذه العوامل لا تعني له شيئا، وإذا ذكرت فهي محاولة لإضفاء مزيد من المهنية على طرح سطحي بالتبعية أو تسطيح تحكمه الرغبة في التكييف.
في نظري أي تحليل لاقتصاد المملكة لا يبدأ من تسعير الطاقة بغرض الموازنة بين الحاجة إلى رفاه المواطن في المدى البعيد وبين توافر الموارد الطبيعية سوف يصعب الدفاع عنه نظرياً وعمل ياً وسوف يقود حتماً إلى بناء اقتصادي مترهل. إعادة تسعير الطاقة سوف يعيد ترتيب الأولويات ويجلب درجة أعلى من التجانس بين الوحدات الاقتصادية من ناحية، ولكن له تأثير أبعد في تحديد المسافات بين الاقتصاد والنواحي الأخرى في الحياة فهو مدخلنا على التطوير الشامل. التوازن الاجتماعي والعدالة واحترام المهنية وغيرها من العوامل أهم من أرقام الدخل القومي.
نقلا عن الاقتصادية