غاندي الجديد، هو ناشط هندي يدعى «آنا هازاري» جاء لقبه تيمناً بالمهاتما غاندي محرر الهند من الاستعمار ومؤسس نهضتها الحديثة، يبلغ من العمر أربعة وسبعين عاماً قرر الاضراب عن الطعام وبقي على هذه الحالة لمدة ثلاثة عشر يوماً بعد أن استجاب البرلمان الهندي لمطلبه الرافض للفساد والمطالب بسن قوانين صارمة ضده، حيث وافق البرلمان على تأسيس لجنة مراقبة لمكافحة الفساد. الرجل الذي بلغ به العمر مبلغه وكسا الشيب رأسه أدرك أن عدو التنمية وعدو الإصلاح بل وعدو التطور والتقدم هو الفساد وانتشاره، وأنه لا إصلاح ولا تنمية مهما جاءت كل الظروف والعوامل الأخرى مواتية لذلك، ما دام الفساد منتشراً داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها، لذلك رأى أن الأمر يتطلب وقفة جادة لمحاربة هذا الداء الذي لن تقوم قائمة لأي دولة وهو منتشر داخل شرايين أجهزتها ومؤسساتها وإداراتها العامة والخاصة، بل هو السبب الرئيس في انتهاء الكثير من الامبراطوريات والحكومات والدول على مر التاريخ.
يتحدث الكثير من المهتمين بالتنمية ومستقبل الدول من الناحية الاقتصادية، واختلاف موازين القوى والبدء في بروز دول مثل البرازيل وتركيا والهند والصين، يتحدث هؤلاء وبتركيز شديد على مستقبل الدولتين الأخيرتين تحديداً، الهند والصين، وأنهما ستمثلان ثقلاً قوياً في سحب موازين الاقتصاد العالمي لمصلحتهما بل ولمنطقهما وللدول الناشئة اقتصادياً إجمالاً. يرجع هؤلاء الكتاب والمحللون الأمر إلى عوامل عدة منها ذلك التقدم في المؤشرات الاقتصادية لكل من الدولتين، وكذلك التطور التقني وما يصاحبه من اختراعات متعددة منبعها هاتان الدولتان، كان من نتائجها تقدم الصين لتكون ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة بنمو اقتصادي ملفت للنظر، إذا ما استمر بنفس الوثيرة فستقفز بناء عليه الصين لتزيح الولايات المتحدة من صدارة اقتصاديات العالم، ومن نتائجها أيضاً، حيث التقدم التقني في الهند وكفاءة مواطنيها في ذلك، أن قفزت صادرات الهند ما بين العامين ١٩٩٠م و٢٠٠٧م من ١٠٠ مليون إلى ١٠٠ بليون دولار (للتأكيد الأولى مليون والثانية بليون كما ورد في كتاب الهند عوامل النهوض وتحديات الصعود ص٨٧).
ورغم تقدم الصين، إلا أن بعض المحللين يرجحون الهند للتفوق المستقبلي وذلك لأسباب ثلاثة هامة أولها الموقع الجغرافي للهند والذي تتفوق به الهند على منافستها وجارتها الصين، وثانيها قدرة الشعب الهندي على التحدث باللغة الانجليزية، لغة الاقتصاد والتقنية بمستوى أعلى من نظيره الهندي، أما ثالث الأسباب وأهمها فهو قدرة الهند في السنوات الماضية على الرفع من مستوى ونسبة الطبقة الوسطى في المجتمع، حيث تشير الكثير من التقارير إلى وصول هذه الطبقة في المجتمع الهندي إلى أكثر من ٢٥٠ مليون نسمة، وهو أمر أسهم في رفع القدرة الشرائية للمواطن الهندي وفي تحسن مستوى معيشته، بل وفي استهلاكه لبعض ما كانت الهند تصدره من حبوب ومنتجات زراعية أخرى، وهذا ما ذكره الرئيس الهندي الأسبق السيد عبدالكلام عند حديثه عن استراتيجية الهند ٢٠٢٠ في كتاب له صدر قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً.
ولكن مع وجود هذه المؤشرات التي تميل لصالح الهند مقارنة بالكثير من الاقتصادات الناشئة، إلا أن كل ذلك يتلاشى أمام انتشار الفساد الذي يجمع الكل على انه فيروس قاتل للتنمية ومعطل لكل جهودها وبرامجها، وما نجاح دولاً مثل تركيا وسنغافورة تحديداً وفي فترة زمنية قصيرة بمقياس تطور الدول إلا نتيجة الالتفات لهذا العنصر وجعله من أولويات المخططين والمهتمين بشئون التنمية. إن هذا الأمر هو ما تنبه إليه السيد انا هازاري أو غاندي الجديد بعد هذا العمر وبعد أن أدرك أن كل الجهود والمحاولات التي تقوم بها بلاده، مهما كانت الامكانات المتاحة، لن يكتب لها النجاح ما لم يتم القضاء على هذا المرض، وهو أمر متى تمكن هذا الرجل من تحقيقه فإنه سيحقق للهند نقلة تنموية جديدة لن تقل عما قام به غاندي الأول عام ١٩٤٧م.
نقلا عن الرياض