عقد مجلس وزراء النقل العرب اجتماعه السنوي المعتاد العام 1992م تحت رعاية جامعة الدول العربية في طرابلس عاصمة ليبيا، وهو مؤتمر يعنى بأمور النقل والمواصلات في العالم العربي، جاء عقد المؤتمر بعد خلاص الكويت من غزو جيش صدام حسين.
كنت ضمن وفد بلادي في ذلك المؤتمر، وكان رئيس الوفد المهندس أحمد التركي - شفاه الله - نيابة عن معالي الوزير حسين المنصوري رحمه الله.
كانت ما سمي بدول الضد اليمن وفلسطين والسودان وغيرها تكتلت في محاولات للتأثير على مجريات المؤتمر الذي كان برئاسة دولة المقر ليبيا، لكن وزير النقل السوري كان متصدياً لهم بقوة وأخرسهم جميعاً.
كان أمام النزل الذي عقد فيه المؤتمر وهو مطل على البحر مسجد قديم متهالك الفرش ولا مصلين فيه إلا قلة ضئيلة.
طلب رئيسي منا أن نذهب للسفارة، وذهبنا كل في سيارة مستقلة فيها ثلاثة مرافقين.
من السفارة خرجنا من باب خلفي، وتوجهنا سيراً على الأقدام إلى متحف للآثار، ولم نجد فيه ما يمكن أن يجلب هدية، فجُلّ المعروض قراطيس تشبه قراطيس السكر والشاي في مقاهي بلادنا قبل نصف قرن، وعدنا سيراً على شاطئ البحر عائدين للنزل، وقد انزعج رجل الأمن منا، وكيف صنعنا هذا، وكان الله عليماً بما حصل للسائق والمرافقين. وهنا رددت عليهم: ليبيا أرض العرب ونحن عرب ولا نقبل أن تعاملونا أغراباً، وصرفهم الله.
كانت لافتات كبيرة منصوبة في لوحات الإعلانات في الطرق تحمل عبارات عجيبة مثل: البيت لساكنه، ومن تحزب خان.
هذا شعار سنه معمر القذافي حـين استولى على السلطة في أول سبتمبر 1969 حين أدرك أن مكمـن الخـطر الحقـيقي على سـلطته هـو وجـود تنظيمات حـزبـية. فأطلق جملته الشهيرة "من تحزب خان" وأصدر قانوناً ينص على إعدام كل من دعا إلى إقامة أي حزب من الأحزاب..
ورغم أن التحزب والحزبية والأحزاب مقيتة في بلدان العالم الثالث والعربي في المقدمة، لكن عمل الأحزاب في البلدان التي تمارس الديموقراطية يختلف في النهج والممارسة، حيث تتبادل الأحزاب تداول السلطة بطرق سلمية دون تزييف أو تزوير.
وسبحان الله فقد أنقذ جل وعلا بلدنا من أناس تحزبوا فخانوا الوطن.
والحمد لله فقد حلت نقابات وجمعيات مهنية محل الحزبية كالنقابة العامة للسيارات في مكة التي مضى عليها أكثر من 70 عاماً، والجمعيات المهنية في الطب والإعلام والكيمياء والتاريخ والآثار والعشرات غيرها، حيث يتم تبادل الأفكار والآراء من خلال البحوث والأوراق العلمية.
ولعل ما تم في تونس وموريتانيا من انتخابات بعيداً عن كثرة الأحزاب مؤشر على ارتفاع الوعي الشعبي في الخلاص من التحزب. وما يجري في لبنان والعراق من نفور من الحزبية والطائفية كذلك مؤشر على الخير.
بالتزامن مع صحيفة الرياض