أعلن بيان وزارة المالية حول الميزانية، أن الدّين العام واصل انخفاضه على المطلق وكنسبة من الدخل القومي، حيث وصل إلى نحو 135 مليار ريال وما نسبته 6.5 في المائة من الدخل القومي. جاء ذلك على أثر ارتفاع عوائد النفط وتحقيق فوائض مالية، وكذلك وصول رصيد المملكة المالي إلى نحو تريليوني ريال. الميزانية في تزايد قياسي على مدى السنوات العشر الماضية، ولكن هذه الأرقام لا تكفي لفهم حقائق الوضعية المالية؛ ولذلك لا تعكس الصورة الحقيقية المستقبلية للوضع المالي في المملكة. هناك مسائل مهمة عدة في هذا الشأن، ولكنني سوف أقف عند اثنتين.
الأولى هي أن ارتفاع التكاليف الثابتة المتواصل يحمل مخاطر كبيرة في اقتصاد يعتمد على مصدر واحد متذبذب؛ ولذلك، فإن الفوائض المالية ليست كبيرة مثل ما يروق للبعض. علمتنا التجارب في المملكة وغيرها أن الحكومات غير مرنة في تخفيض الميزانيات في حالة نقص الدخل، وخاصة في ظل ظروف تغير فيها الإطار الاجتماعي. والأخرى أن هناك التزامات مالية مؤثرة لا تدخل في حسابات الميزانية، ولكنها مركزية للمحافظة على الأمان المالي والأمن الاجتماعي. في هذا الشأن فإن أهم التزام يواجه الحكومة ماليا هو جدول مدفوعات صناديق التأمين الاجتماعي كمؤسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية. هناك علاقة وثيقة خاصة بالمستقبل بين هاتين المسألتين.
الحسابات الاكتوارية (التقديرات المستقبلية) لهذه الصناديق تدل على أن هناك التزامات كبيره تصل إلى عدة عشرات المليارات وربما المئات، خاصة في ظل نظام التقاعد المبكر وطول أعمار المستفيدين على أثر التحسن الصحي. هذه الالتزامات المالية وخاصة للعسكريين، حيث التقاعد المبكر وكرم الحكومة في قصر خدمة العسكريين، وكذلك لمتقاعدي التعليم وغيره، هذه الحقائق تجعل من مؤسسة التقاعد في وضع صعب جدا، حيث تدفع الآن ما يقارب ملياري ريال شهريا وفي تزايد في ظل مناخ استثماري صعب وكفاءة إدارية ضعيفة في مجال الاستثمار، ولعل الحماس على شركة زين وبنك الإنماء وسوء التوقيت في دخول سوق الأسهم في السنوات القليلة الماضية والشكوك في بعض الاستثمارات العقارية أمثلة حان الوقت لإعادة تقويمها. مؤسسة التأمينات الاجتماعية في وضعية أفضل اكتواريا وأداء بكثير من مؤسسة التقاعد، إلا أن أداءها يحتاج إلى مزيد من التحسن والشفافية والانفصال النوعي عن مؤسسة النقد استثماريا. ففي محفظة تصل إلى أكثر من 300 مليار ريال فإن ارتفاع الأداء بواحد في الألف يزيد من الدخل بأكثر من 30 مليون ريال.
ما الحل؟
هذه صناديق حكومية ذات التزام مباشر حتى ولو أنها (مملوكة للمستفيدين). فهي جوهريا وإداريا تحت مظلة الحكومة؛ ولذلك لا بد من دعم حكومي مباشر في هذا الوقت، حيث الفوائض المالية متوافرة. ولكن التدخل المالي وحده لن يكفي ولكنه أبسط وأسرع الحلول، فهناك حاجة إلى إعادة النظر في نظام التقاعد. مرحليا أقترح أن تدفع الحكومة 50 مليار ريال، منها 45 مليارا للتقاعد وخمسة مليارات للتأمينات، وكذلك النظر في إدارة الاستثمارات مؤسساتيا وبشريا. فيستحسن استقلالها من مؤسسة النقد، حيث إن المتطلبات الاستثمارية وجدول الالتزامات يختلفان عن إدارة رصيد الحكومة، فمثلا هناك حاجة إلى رفع الحصة الدولية من استثمارات هذه الصناديق ورفع كفاءة العناصر البشرية فيها. لعل هذا كفيل لرفع الأداء والمساءلة
نقلا عن الاقتصادية