وكان ان صنعنا لكلّ حسرة، يومها. يوم للقدس. ويوم للأرض الضائعة. ويوم للشهيد. ويوم للاستقلال، المفقود. ويوم للغة العربية المنقرضة شيئاً فشيئاً، حتى الاضمحلال. ويوم للمرأة نتذكّر فيه حقوقها المهدورة... ونتحسّر. يوم المرأة، بات يوماً لرثاء حالها، والبكاء على الأطلال. وهو لا يخلو من احتفالات فولكلورية باتت تقليداً سنوياً، يلتقي فيها بعض سيدات المجتمع، ويتبادلن التهاني والقبلات والخطابات التي لا تضيف شيئاً، ولا تغيّر واقعاً. وينتظرن صورهنّ في اليوم التالي، في الصحف والمجلات الإجتماعية.
وبينما كانت النساء العربيات يحتفلن ويهلّلن ويلتقطن الصور، كان رئيس حزب الإنفتاح والوفاء التونسي البحري الجلاصي، يطالب، بأن ينصّ الدستور التونسي الجديد على حقّ كلّ مواطن في اتخاذ جارية الى جانب زوجته و «التمتّع بما ملكت يمينه». ودعا الى إلغاء كلّ فصل قانوني يحرّم هذه العلاقة التي وصفها بأنها «شرعية»، مشدداً في الوقت عينه على ضرورة «قوننة الجواري، واعتبار اقتنائهنّ حقاً متاحاً للرجال المتزوجين بامرأة واحدة»، وتصنيف الجارية ضمن خانة «ما ملكت أيمانهم». إنه الجلاصي مبشراً بعودة الى عصر الجواري، والمرأة المسلوبة الكيان والحرية، المملوكة من الرجل. عودة الى عصر الرقّ والإستعباد في القرن الواحد والعشرين.
صديقة استفزّها يوم المرأة، واحتفالاته الباهتة، وقبل أن تسمع بمطالب الجلاصي وحزبه «المنفتح»، ولو سمِعَت، لا أعرف ما كانت ستقوله وهل ستنادي صراحة بوأد البنات، قالت لي: «لا أريد أن أنجب بناتاً كي لا أتركهنّ في مهبّ ظلم المجتمع، وغياب القوانين التي تحمي، وفي ظل التهميش المستمرّ. أفضّل أن أنجب صبياناً قادرين على الدفاع عن أنفسهم، ظالمين لا مظلومين، مخدومين لا خادمين، منصورين منطلقين، لا مكسورين. رجالاً يعطيهم المجتمع كلّ الحقّ في كلّ ما يفعلونه، حتى عندما يكونون على خطأ ويرتكبون الحماقات. عندها أغمض عينيّ مرتاحة البال، ولا يلحقني همّ بناتي الى القبر».
صدمني كلام صديقتي، خصوصاً ان فيه الكثير من التفكير الذكوري المعشّش فينا بصمت، نحن النساء الشرقيات، كلام هو ترجمة لإرث اجتماعي تربوي، قائم على التمييز العنصري ضد النساء، منذ النعومة. للوهلة الأولى، خلت نفسي أستمع الى امرأة في الثمانين، حُرِمت التعليم والقراءة والكتابة، مزروعة كشجرة النخيل المنسية عند باب القرية. والواقع ان الصديقة شابة في منتصف العشرينات، متعلّمة، في منصب وظيفي رفيع، متعدّدة الأسفار والثقافات واللغات. فهل هذا يعني اننا نتوارث الإستسلام والقنوط جيلاً بعد جيل؟ هل ضيّعنا، وبسهولة، أحلام التغيير والمساواة والحقوق الكاملة؟ هل ذهب الكلام في ربيع المرأة هباء في الهواء؟ هل يعني ان يومنا سيكون مثل الأمس وقبله، وغدنا مثل اليوم وبعده، حتى تمرّ مئة سنة أخرى من الظلمات، ونحن ننتظر؟
بات الكلام عن حقوق المرأة مخيفاً الى حدّ الرعب، والكتابة فيها كالكتابة على الرمال. موجة واحدة، ولا يبقى حرف. مدّ التطرف يزداد في عالمنا العربي، والأصوات الرجعية تعلو هنا وهناك. والأرقام والإحصاءات تشير الى استمرار الإجحاف، وآخرها دراسة لمكتب ميرسير المتخصص في الموارد البشرية، تؤكد ان أجور النساء الكوادر في الشركات الخليجية أقل بـ 38 في المئة من أجور الرجال، في مقابل واحد في المئة فقط في تركيا التي أردناها نموذجاً لدولنا الحديثة بعد الثورات. وتبيّن ان هيهات هيهات لشعوبنا ودساتيرنا من النموذج التركي!
نصف المجتمع امرأة، والنصف الآخر ولدته امرأة. «لا فرق بين المرأة والرجل»، تقول انجلينا ايخهورست سفيرة الإتحاد الأوروبي لدى لبنان. وتستغرب وضع لبنان «هذا البلد المتطوّر جداً الذي يفترض أن يكون طليعياً بين دول الجوار، في التصدي للإجحاف بحقّ المرأة، وفي منحها حقوقها. لكن الواقع مغاير ومؤسف». وتستنكر غياب المرأة اللبنانية عن مراكز القرار، فهي غير موجودة في الحكومة، وليس في البرلمان إلا أربع نائبات من أصل 128 نائباً. وتخلص الى اننا «كي نناقش وضع المرأة في المنطقة، يجب أن نبدأ بالدستور. في لبنان الدستور يحقّق المساواة، لذا يجب ان نقاوم معاً، رجالاً ونساء، ونقول هذا ضد الدستور!» وتدعو بحماسة الى النضال النسائي: «نحن في أوروبا لم نأخذ حقوقنا إلا بعد نضال طويل، متعب وشاقّ». فيا نساء العالم العربي، اتحدن! علّ في اتحادنا قوّة التغيير اللازم، والأمل لبناتنا وبناتهنّ، وبنات بناتهنّ من بعدنا.
* نائب رئيس تحرير مجلة «لها»
نقلا عن الحياة اللندنية