ربما صح لنا القول: "الأحداث تكرر نفسها". السلوك الذي نفّذت به عملية المداهمة للسفارات الأميركية حتى يوم الجمعة الماضي كله أسلوب قاعديّ بامتياز. القاعدة تشبه الفطريات تتكاثر تلقائياً وتستطيع أن تتنفس برئة واحدة وربما بنصف رئة. الربيع العربي أغرق القاعدة بمشكلات نظرية في البداية لكنها سرعان ما تجاوزت تلك المشكلات وبدأت من جديد. ليبيا الآن مناطق عديدة منها بيد القاعدة، البعض كان "يزعل" حين نقول عن وجود قاعدة في ليبيا ويظنّ أن هذا تأييد للقذافي آنذاك.
والبعض الآخر سيغضب أيضاً حين ننبه إلى خطورة القوة التي يتوافر عليها تنظيم القاعدة في سوريا، وهذا لا يعني أننا ضد الثورة السورية وحاشا، بل مع دراسة الوضع بعد سقوط النظام. ضعف الدول التي هيمن عليها الإخوان بعد الثورات مثل ليبيا ومصر أدى إلى نشاط محموم للتنظيم بشكل لم يسبق له مثيل منذ 2011.
تعرف أميركا أن الاعتداءات على سفاراتها نقطة تحول ستكون بمواقفها من الربيع العربي ومن الأصوليين. الموقف الأميركي كما هو معروف وواضح وضوح الشمس كان يعطي للإسلاميين الفرصة للوصول إلى الحكم، لكن ها هم أولاء وصلوا، لم يقدموا إلا الثغرات الأمنية وكثافة العمليات الإرهابية. دولة الإخوان بمصر مهلهلة، والدولة الليبية التي تشكلت بمناخ إسلامي هو خليط بين بقايا القاعدة أو الجماعة المقاتلة والإخوان كل ذلك شكل الدولة الليبية الهشة والتي تسببت هشاشتها بالكوارث التي تجري بليبيا اليوم.
الأحداث الأخيرة من المفترض أن تكون نقطة تحول للعرب والأميركيين بأن يعرفوا إلى أين هم ذاهبون بكل هذا التطبيع مع التيارات الأصولية؟ وأن نتساءل أي مستقبل سيقدمه هؤلاء؟ القاعدة استفادت من الإخوان المسلمين على مر التاريخ. وجماعة الإخوان أصلاً هي قنطرة لكثيرين ممن أصبحوا قياديين في تنظيم القاعدة، وهذا ليس سراً بل موجود في لقاءاتهم وحواراتهم المكتوبة والمتلفزة.
فعلاً جاءت ذكرى 11 سبتمبر بما لم يتوقعه الكثيرون، بينما انشغل الناس بالفيلم المسيء للنبي عليه الصلاة والسلام ثمة أفلام يخرجها وينتجها الأسد في سوريا هي أكثر إيلاماً لروح النبي ولمن في قلبه مثقال ذرة من إنسانية. غير أن الأيديولوجيا تغلب المشترك البشري في كثير من الأحايين.
القاعدة خطر محدق وقادم، ومعظم الذين قللوا من شأنها مع بدء الثورات العربية رجعوا أدراجهم، ذلك أن هذه السنة والتي تليها سيكون البطل فيها تنظيم القاعدة وعلى الحكومات أن تعي ذلك الخطر المحدق.
نقلا عن الرياض