هناك فهم خاطئ يحاول بعض المحبطين نشره بين الناس أن الميزانية العامة للدولة إذا لم ترفع من راتبي المباشر فهي ميزانية لا قيمة لها, هذه القراءة الخاطئة بقصد أو من دون قصد لقراءة أرقام الميزانية تحتاج إلى الكثير من الطرح والإيضاح, وسأحاول من خلال هذه المساحة المعطاة لي إيضاح نقاط القوة والضعف في الميزانية أو النقاط الإيجابية والسلبية في التعامل مع تفعيل وتنفيذ الميزانية كل عام.
الميزانية تنطلق من تقسيم ثلاثي لها:
أولا: قسم يركز على المفهوم الاستهلاكي الذي يوجه نحو الرواتب والضمان الاجتماعي والشؤون الاجتماعية ودعم السلع والخدمات مثل المواد الغذائية ودعم توفير الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات التي تقدم بأقل من تكلفتها الحقيقية، وهذا الدعم يعتبر دعما غير مباشر لزيادة راتب أو دخل المواطن والمقيم، وهذه تعادل ما نسبته في حدود 20 في المائة من أساس دخله إن وجد أو دعم لمن لا راتب له.
ثانيا : قسم يركز على تحقيق التنمية المستدامة الإنشائية، وهذا القسم يبرز في مشروعات تنفيذ المدن الطبية والمستشفيات والمراكز الصحية والجامعات ومشروعات البنية التحتية والطرق ودعم صناديق الإقراض والتمويل، وهذا التوجيه من الميزانية الإنشائية ذو حدين إيجابي وسلبي، الإيجابية تبرز عند حسن وسرعة تنفيذ المشروعات وفقا لما هو معتمد لها ماليا وضمان جودة وإتقان التنفيذ إنشائيا بحيث لا تتحول هذه المشروعات مع الوقت إلى عبء على التنمية المكانية أو الإنسانية نتيجة عدم الاستفادة منها، وهذا واقع مقلق نتيجة الضغط الكبير من المشروعات المطلوب تنفيذها خلال فترة زمنية قصيرة في ظل غياب تأهيل مقاولين سعوديين يتناسب عددهم وإمكاناتهم مع المشروعات العملاقة التي تنفذ حاليا أو مطلوب تنفيذها مستقبلا وعلى رأسها المدن الطبية والجامعية وشبكات القطارات وعدد من المطارات وإنتاج الطاقة والمياه المحلاة والمنشآت المهمة وغيرها والتي إذا لم يحسن تنفيذها واستثمارها واستغلالها فإن أثرها التنموي سيختفي وتختفي معه مليارات الريالات من الاعتمادات المالية التي يصعب تعويضها مع تقلب الاقتصاد العالمي.
ثالثا: هذا القسم من الميزانية المتضمن المشروعات الإنشائية التنموية يحتاج إلى أن يعضد بقرار تنموي آخر وهو تحويل هذه المشروعات من مشروعات خرسانية إلى صناعة في مجالاتها، خصوصا مجال التشييد والبناء والمقاولات وقطع الغيار، لأن هذه المشروعات قادرة بعد توفيق الله على إيجاد ملايين فرص العمل التي تتفق ومتطلبات الإنسان السعودي سواء في مجال الهندسة بكل فروعها أو مراقبة الإنشاءات أو المجالات الإدارية والمالية وكذلك في مجالات الصناعات البسيطة والصغيرة والكبيرة بحيث تفتح جميع أبواب وفرص العمل في كل المواقع والمجالات وتتحول هذه الميزة في الميزانية من ميزة إنشائية تنموية إلى ميزة إنشائية تنموية شاملة ومستدامة للبناء المكاني والإنساني.
كما أن مشاريع الإسكان التي يتلهف لها الجميع تمثل نقلة نوعية في حياة الكثير منا لأن توفير السكن سيحقق الكثير من الفوائد على رأسها القضاء على مشكلة الاستقرار الأسري وإزعاج طالب الإيجار ويكون دخلا إضافيا للراتب أو الدخل لا يقل عن 15 في المائة أو أكثر، وهذا الأمر أخذته الميزانية في الاعتبار بشكل جاد وخصصت له المبالغ المطلوبة، والمطلوب منا جميعا هو معالجة أي عائق أمام تنفيذ مشاريع الإسكان، والحديث عن هذا القسم من الميزانية التنموية الإنشائية سبق لي طرحه بزوايا مختلفة ويحتاج إلى الكثير من الطرح للإيضاح والتفعيل والتطوير.
القسم الثالث من الميزانية وهو التنموي طويل المدى الذي يرتبط بالاستثمارات الداخلية والخارجية ويعتبره الكثير من المخططين الاستراتيجيين قرارا مهما لحماية استقرار ونمو واستمرار وتطور الدولة ويعتبر من حقوق الأجيال القادمة، وهي من الخطوات التي تحسب لصناع القرار السعودي، والملاحظ أنها استثمارات محافظة وحامية لرأس المال، وهذا أيضا يعتبر ميزة أخرى لمثل هذه الاستثمارات حتى تحميها من الدخول في الاستثمارات عالية المخاطرة.
وأخيرا مع كل ما تحمله ميزانية الخير السعودية من طموحات ومشروعات إلا أنني شخصيا كنت أتمنى ألا تتضخم بالشكل الذي يصبح معه تنفيذ أهدافها ومشروعاتها ذا أثر سلبي عليها، خصوصا مع عجز الكثير من الإدارات المعنية بتنفيذ المشروعات والبرامج من إنهائها في الوقت المحدد وبالشكل المرضي وكذلك مبالغة الكثير من المقاولين في الأسعار وتأثير هذا الحجم الكبير من المشروعات في أسعار مواد البناء، ما أثر في توافرها في السوق وارتفاع أسعارها على المواطنين المنفذين لمشروعاتهم الصغيرة من سكن وغيرها. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، والله من وراء القصد.
نقلا عن الاقتصادية