في المجتمعات الذكوريّة يستغل الرجل ورقة "القوامة" على المرأة لممارسة أبشع أساليب الإذلال، إذ يمتلك الذكر حقاً مطلقاً في التعامل مع الأنثى بوصفها جزءاً من ممتلكاته الخاصّة، له أن يحتفظ بها إن أراد، وله أن يتخلى عنها متى شاء، فإن استمرّ إلى جانبها بدأت الثقافة الذكوريّة بتمجيد الرجل ووصفه بالوفاء وحسن المعاشرة، أما إن تركها فالثقافة لا تنقض سمة الوفاء بل تتجه لقذف المرأة بأقذع الأوصاف، وتحملها فشل العلاقة تحت ذريعة أنها لو ملأت عينه لما فكّر بالبحث عن بديلة لها!.
الرجل في عين الثقافة الذكوريّة فحل ليس على المستوى الجسدي فحسب، إنما تمتد فحولته إلى المستويات الفكريّة والمعرفيّة، ومنظور الفحولة هنا سمة مسلوبة من المرأة في المدونة الثقافية العربية، إذ لا يُقال (فحلة) إنما يُطلق عليها وصفاً آخر وهو امرأة (ولود)، وفي هذه التسمية إشارة خفيّة إلى الرجل، إذ ليس من الممكن أن تكون المرأة ولوداً دون رجل، في حين بإمكان الرجل أن يكون فحلاً دون أنثى، ويكرّس ذلك المفهوم أمثال شعبيّة ترى بأن فراش الرجل بعد زواجه يظل جديداً، في الوقت الذي يتسخ فيه فراش المرأة بعد زواجها!.
ومع تطوّر وعي المرأة وفهمها لواقعها وواقع مجتمعها الذكوري، بدأت تخرج رأسها وإن على استحياء من قمقم الذكورة لتعبّر عن رفضها لممارسات الرجل. لم تعد تجد حرجاً في الاتجاه نحو المحاكم لمقاضاته، أو نشر قضيّتها معه علانية عبر وسائل الإعلام، أو إقامة احتفال عند انفصالها عنه، وهذه السلوكيّات وغيرها تحوّل في ذهنيّة المرأة وتجاوز لمرحلة كانت فيها الأنثى عدوة نفسها وليست عدوة للرجل، وكانت معظم المشاريع النسويّة المطالبة بحقوق المرأة يجري وأدها على أيدي نساء اعتدن على عبوديّتهن المستترة للرجال وإن أبدين غير ذلك.
المرأة بتركيبتها البيولوجيّة وتكوينها النفسي ميّالة إلى طاعة الرجل والاحتماء به والعيش تحت كنفه، وتجد في هذا السلوك لذّة تحقق مبدأ أنوثتها، إلا أن الثقافة الذكوريّة لا تزال تتوجّس من الأنثى وتعتقد بأنها إن لم تتغذى بمفاهيم عبوديّة الرجل ستتمرّد عليه وتعلن حربها الضروس ضدّه، والاعتقاد الثقافي المشوّه أمر طبيعيّ؛ لأن الثقافة لا تؤمن بالأبحاث العلميّة والدراسات الحديثة، بل تستمر في اجترار الموروثات التقليديّة حتى وإن خالفت متطلبات الواقع وتحولاته.
تعسفيّة استعمال الرجل للقوامة أنتج ولا يزال ينتج قوامة مضادّة، إذ كل سلوك إقصائيّ يُسفر عنه سلوك إقصائي آخر مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه، وهو ما يفسّر تزايد حالات ابتزاز الأنثى للذكر، وارتفاع معدلات تعنيف الرجال، إلى جانب كثرة صكوك خلع الزوجة لزوجها الصادرة عن المحاكم، وجميع تلك الشواهد تشكلات لقوامة المرأة على الرجل وتحدٍ بدهي تمخض عن ظرفيّة فرضتها عنجهيّة الثقافة الذكوريّة التي بدورها أوجدت واقعاً تكون فيه الأنثى فحلة!.
* ماجستير في النقد والنظرية