كثیرا ما تتردد عبارة (التاریخ یكتبھ المنتصرون)، والأمر لیس بھذه الدقة، فربما سیطر المنتصر على فترة معینة ومكان محدد وربما حبس التاریخ الذي یعنیھ في مدونة أو حتى منھج دراسي تعبأ بھ عقول النشء في . ً الحیز الذي یملكھ والزمن الذي یحكمھ، لكن الحقیقة كالھواء لیست حكرا على أحد، ولا یمكن حبسھا للأبد
في الواقع لم یستطع المنتصر أن یفصل التاریخ كما یرید، فالتحولات السیاسیة كانت تتسارع حتى تمنح المھزوم فرصة تدوین التاریخ كما یراه، كان ھذا قبل أن تظھر المنابر الإعلامیة الشخصیة التي أتاحتھا شبكة ً الإنترنت لكل الناس وبات كل من یملك حقیقة أو أكذوبة قادرا على نشرھا والتشكیك في روایة المنتصر !ومحاكمتھ من جدید
كثیر من القضایا التي شغلت الرأي العام حاول المنتصر أن یكتبھا كما یرید لكنھ لم یستطع، فالمھزوم حینھا انتصر الیوم بشكل أو بآخر، والمھزوم لیس بالضرورة ھو من یملك الحقیقة، ولیس بالضرورة أن المنتصر ّ زور التاریخ ودون الأكاذیب التي تخدمھ، لكن ظھور الصوت الآخر وإضاءة الأركان المعتمة تمنح المھتمین .فرصة استقراء الأحداث من زوایاھا المتعددة
ً والأمثلة كثیرة، فالثورة التي أطاحت بالملك فاروق مثلا كتبت تاریخا لا یعد حسنة واحدة لھ، وحدث موت المشیر عبدالحكیم عامر لا یزال یتأرجح بین روایة المنتصر حینھا التي تجزم بانتحاره إثر النكسة، وروایة المنتصرین بعد عھد جمال عبدالناصر یصرون على فتح الملفات القدیمة وتصحیح الروایات التي شوھت تاریخھ بوصمة الانتحار، ولا یزالون حتى الیوم یقدمون أدلتھم على استدراجھ وقتلھ بالسم حتى بعد مرور
عقود عدة على تلك الأحداث، وكذلك حادثة وفاة الممثلة سعاد حسني إثر سقوطھا من شرفة شقة صدیقتھا نادیة یسري والتي أغلق المنتصر حینھا ملف القضیة على أنھا حادثة انتحار، لكن الآخرین رفضوا ھذه .الروایة وأصروا منذ ذلك الحین على أنھا حادثة قتل سیاسیة
ً الیوم لا یمكن أن ینفرد أحد بكتابة التاریخ، لأنھ لا یمكن تحدید ھویة المنتصر أصلا، كما أن ذلك الانتصار لا. ً یدوم طویلا بل إن التشویش علیھ یظھر فورا ویزعزع ثقة المتلقین بھ
التاریخ الحقیقي ھو ما یكتبھ المنصفون المتحررون من كل ضغط عدا ضغط الأمانة وحساب الضمیر، ولیس المنتصرون حین یستبدون بالسلطة ویسیطرون على المنابر، ولیس الخاسرون حین تحكمھم الآلام والرغبة .في تصفیة الحسابات
نقلا عن المدينة