بعد كل حادثة إجرامية في أي مكان، وعلى أي بقعة في أصقاع الأرض وحين يتم تناقل الخبر على مواقع التواصليترك الكثيرون الحادثة برمتها وينشغلون بهوامش لا أهمية لها كصياغة الخبر ووصفه والمصطلحات التياستخدمت في كتابته أو إذاعته ومقارنة تعاطي دول الغرب بين حادثة إرهابية قام بها مسلم، أو أخرى قام بهامواطن دولة أجنبية.
ُ حين ا ُ عتدي على المصلين يوم الجمعة الماضي في مسجد نيوزيلندا وقتل 50 ً شخصا في عملية إجرامية عنصريةإرهابية بشعة هرعت بعض الأقلام في تويتر لشيطنة دول الغرب قبل أي تصريح أو إدانة من ناحية، وضد من لميصفوا العمل بالإرهابي من ناحية أخرى، وهذا -برأيي- إرهاب يتكرر بعد كل إرهاب، إنه الإرهاب الفكري، إرهابتقييد الرأي والكلمة الذي يفرض عليك صاحبه كيف تكتب وكيف تنتقي المفردة التي تمثله هو، وكيف تشحنالعاطفة الدينية ضد أي رأي لا يتواءم مع حدة رأيه وحماسه.. إرهاب يتحول من إدانة الإرهاب ذاته إلى من وصفه،
وقد لمست ذلك بعد الهجوم على أحد المغردين حين طلب التروي والتريث قبل الحكم على الحادثة، وإن اختلفنا أوً اتفقنا معه فهذا رأيه ولا يجب أبدا مصادرته أو مطالبته بمفردات معلبة وإلا لأصبحنا نسخة واحدة في التعاطيمع كل قضية وأصبح الرأي عبارة عن «كليشة» توزع على الكل!
ً الأعمال الإجرامية كحادثة المسجد الإرهابية لا تحتاج إلى تبشيع لتبدو كبيرة، فهي فعلا كبيرة وبشعة وتنافيالطبيعة الإنسانية وتتعارض مع حقوق البشر في ممارسة عباداتهم وشعائرهم بأمان، ولكن الأهداف الخفيةً خلف هذا التبشيع والتأجيج هي ما يجب أن نتنبه له، فنيوزيلندا مثلا لا ذنب لها كدولة بهذه الحادثة ولم ترعهمؤسسة أو جهة ما فيها، بل خرجت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن ببيان عظيم ومشاعر رائعة تدين العمل وتصفهبالإرهابي، مؤكدة على رفض دولتها لهؤلاء الأشخاص ومعلنة تغيير قانون السلاح في دولتها وحماية الناسلتأدية شعائرهم الدينية.
خطاب الكراهية يا سادة لا يفضي إلى التعايش بل يفضي إلى زرع الفتن والعنصرية ورفض الآخر، وهو الخطابالذي تشبع منه ذلك المجرم المعتدي، وهو الخطاب الذي يجب أن نبتعد عنه ما استطعنا وألا نقع فيه بدافعالحماس، فالتعايش هو الحل الأوحد الذي تسعى المملكة جاهدة على تعزيزه لننعم بوطن مترابط ومجتمعمتجانس.
نقلا عن عكاظ