بحكم الرحيل والتنقّل وفق ما توجبه متطلبات البيئة من أمطار ومراعي، وباعتبار التنقّل ليس مأموناً بشكل دائم فإنه مع الوقت لا يثق الإنسان في أي غريب ببساطة، ويحتاج إلى المقرّبين منه بغض النظر عن كفاءتهم لأنهم من يوثق فيهم بمشاركته الدفاع عن النفس والعرض ... إلخ. لذا حتى تنقلاتهم لا تحدث بشكل جماعات كبيرة. هذا الفكر نجده جزءاً من الثقافة أو الممارسة الإدارية الراهنة، من ناحية تقريب أبناء العمومة ومنحهم الامتيازات قدر الإمكان، ولو كان ذلك على حساب الكفاءة وتقدير الأكفاء ممن هم أبعد في الدائرة الاجتماعية. في المصطلحات الحديثة يعتبره البعض فساداً لكن وفق الثقافة السائدة يأتي من مبدأ ابن عمي هو مصدر الثقة ومن لا خير له في ابن عمه فلا خير فيه.
في عالم يعتمد على هطول المطر وحيث إن الأرض سنة تجدب وأخرى تعشب، تصبح فكرة التخطيط على مدى سنوات خارجة عن الإرادة والأمر يبقى معلقاً بالقدر فإن أعشبت الأرض بقينا وإن أجدبت رحلنا بحثاً عن موقع آخر. مفهوم التخطيط لما بعد خمس أو عشر سنوات شبه غائب أو يستحيل في حياة الصحراء، وهذا هو الحال في غالب ممارساتنا الإدارية، حيث لدينا ضعف كبير في التخطيط والالتزام بخطط بعيدة المدى. الأمر يعتمد على توفر الخير أو الميزانية، رديف المطر.
في أرض أنت راحل عنها يوماً ما، مفهوم الحفاظ عليها وتنميتها بالبناء والعمران والحفاظ على البيئة يعتبر أمراً ثانوياً، بل تكون الثقافة هي؛ استفد منها قدر الإمكان تكون ذئباً. هذا ما يحصل للأسف لدى البعض في علاقتهم بالوطن وممتلكات الوطن ومؤسساته ومبانيه وحدائقه وغيرها. نفسي نفسي ولا يهمني بعد ذلك إن كان مالاً عاماً أو بيئة يجب الحفاظ عليها. أو بمعنى آخر المال العام مباح التعدي عليه لأجل المنفعة الشخصية، وليس مهماً تنمية المكان وتطويره.
في القصص الشعبية قد يعجب شيخ القبيلة بعابر من مجرد منظره أو حديثه الماتع أو قصيده فيمنحه ابنته. هذا حاصل في تنصيب فلان مديراً أو مسؤولاً أو منحه سلطة إدارية، لمجرد لقاء أو لقاءات اجتماعية وليس من واقع دراسة علمية لمؤهلاته وخبراته وثقافته وقيمه، فنجد غير المؤهل يحتل مكاناً هو ليس أهلاً له بمجرد قرار مصدره انجذاب عاطفي. وكأن الإدارة مجرد عطية وهدية، على خطى من كانوا يهدون بناتهم للفصيح من العربان متناسين البحث في قيمه إن كان لئيماً أو بخيلاً أو متسلطاً ... إلخ.
نقلا عن الجزيرة