یحدث كثیرا في كثیر من المجتمعات أن یموت الرجل ویترك خلفھ زوجة وورثة آخرین من غیر أولاده، أو أن یطلق الرجل زوجتھ، بعد حیاة طویلة بینھما، تشاركا في بدایاتھا الصعبة،ویترك الأول أرملتھ شریكة لورثة، ربما لم تكن بینھم وبین مورثھم أي صلة، ویترك الثاني طلیقتھ، بلا أي فضل منھ، وكأنھا لم تصنع نجاحھ الذي وصل إلیھ..إشكالیة المرأة في الحالتین، لا یحلھا إلا فرض حق إضافي لھا، مقابل كدھا وسعیھاوشقائھا، (یقدره أصحاب الخبرة)، وعندما أكتب عن ھذا الحق المھضوم، أكتبھ وملء
عقلي، ما نقلتھ كتب النوازل، عن فعل الصحابي الجلیل، سیدنا عمر بن الخطاب، مع سیدتنا حبیبة بنت زریق، التي كانت تعمل َّ نساجة، وكان زوجھا، سیدنا الحارث بن عمر، یتاجر فیماتنتجھ، حتى اكتسبا مالاً وفیراً، ولما مات وترك المال والعقار تسلم أولیاؤه مفاتیح الخزائن،فنازعتھم في ذلك، واختصموا إلى الخلیفة، الذي قضى لھا بنصف المال، ثم قضى بتوزیع النصف الآخر على الورثة، مع عدم إسقاط ّحظھا من الإرثالباقي..
الحكم العمري السالف، تم السكوت عنھ عشرة قرون، حتى أحیاه الفقیھ المالكي، القاضي أحمد بن عرضون، وھو غیر الفقیھ محمد بن عرضون،الذي نقل عن غیره فتوى مماثلة تخص نساء البادیة، حیث ذھب الفقیھ الأول إلى أن «للمرأة النصف في مال الزوج إذا وقع طلاق أو وفاة، بشروط شرطھا، وحدود حدھا»؛ فاعتبر من الظلم والحیف أن لا یعطى للمرأة نصیب من الثروة المشتركة حین حصول الطلاق أو الوفاة، وأشار بتقدیر الجھدالزائد الذي تبذلھ المرأة بأن ترتب لھا حقوقا إضافیة على ما قرره الشرع لھا في الظروف العادیة، فتأخذ المرأة نصف الثروة عند الطلاق إضافة إلى أخذھا لنصیبھا من الإرث من النصف الباقي في حالة وفاة الزوج، واعتبر أن ذلك من مقتضى العدل والإنصاف..
الكلام عن حكم الفاروق رضي الله عنھ، والتفاعل الذي حصل بعد قرون معھ، أو ما اصطلح على تسمیتھ بـ»حق الكد والسعایة»، یستحق أن یدرس بعمق، خاصة أن الواقع یحتم ذلك، وآمل ألا یأتي من یقول إن تلك واقعة خاصة، أو أن یقال إن الواقع غیر جاھز؛ فالمرأة التي عاشت مع زوجھا واشتغلت معھ طیلة حیاتھ، وساھمت في ثروتھ؛ تستحق أن یكون لھا حظ من ذلك، من باب العدل والإنصاف، (والمقدار، لعدم مصادمة النصوص،یكون بحسب جھدھا وعملھا)..
أختم بأن التفكیر في إقرار «حق الكد والسعایة»، یحتاج إلى تقویة الثقافة الفقھیة عند الناس، ونفض حالة الركود الذي أصابھم، والخروج بالعلم لمیدان التطور والتجدید والتعمق، وقیاس الأحكام على نظائرھا، وإلحاق الشبیھ بالشبیھ، ومراعاة الأصلح، وعدم الانغلاق أو التحجیر؛ وبما یتفق ومستوى العصر الذي نعیش
نقلا عن الوطن السعودية