تحدّد التقارير والدّراسات الدوليّة عددًا من المخاطر التي ستزداد حدّتها خلال العشر سنوات القادمة، ويلخّصها تقرير (Global Risks Report 2023) في عشرة تهديدات تشمل: 1) التغيّر المناخي، 2) وفشل إجراءات التكيّف مع تغيّر المناخ، 3) تزايد الكوارث الطبيعيّة والظواهر الجويّة الشديدة الأثر، 4) فقدان التنوّع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، 5) ارتفاع معدّلات الهجرة غير الطوعيّة، 6) تفاقم أزمات الموارد الطبيعيّة، 7) تآكل التماسك الاجتماعي والاستقطاب، 8) انتشار الجرائم الإلكترونيّة وانعدام الأمن السيبراني، 9) المواجهة الجيو-اقتصاديّة، 10) ارتفاع معدّلات حوادث الأضرار البيئيّة واسعة النطاق.
والمتّتبع لهذه التهديدات يجد أنها في معظمها تأتي من الإنسان بوصفه مصدرها، وهو في الوقت ذاته ضحيّتها الأولى. ومن هنا يمكن القول إن أخطر هذه التهديدات يتمثل في تآكل التماسك الاجتماعي في مجتمعات اليوم الذي سيقود أولاً إلى فقدان رأس المال الاجتماعي وكسر الشبكات الاجتماعيّة.
ويقود تآكل التماسك الاجتماعي إلى إضعاف روابط المجتمعات مصحوبًا بزيادة في الاستقطاب، وهو تقسيم المجتمع إلى مجموعات متناقضة مع ضعف التفاعل والتفاهم بينها، وتتعاظم مشكلة التماسك الاجتماعي عندما تكون هناك فجوة كبيرة بين المجموعات الاجتماعيّة المختلفة من حيث الثروة والفرص والوصول إلى الموارد، وهنا ستشعر الفئات المهمّشة بأنها مستبعدة أو محرومة، مما يؤدي إلى الاستياء وتغذية الاستقطاب خارج مصلحة المجتمع الكبير.
ومع اتّساع دائرة تآكل التماسك الاجتماعي ينشأ التركيز على الهويّات الفرديّة والانتماءات الفرعيّة حول العرق أو المعتقد أو الجنس وتصبح الهويّات الفرعيّة نقطة مركزيّة بين المجموعات المختلفة في الوطن الواحد وتتجلّى مظاهرها في خطابات الاستقطاب الاجتماعي والسياسي وفق متضادّة "نحن وهم"، ويتعزّز هذا الاتجاه شعبيّاً مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي واستهلاك الأخبار الشخصيّة، إذ يميل الناس إلى البحث عن المعلومات والآراء التي تتوافق مع معتقداتهم وهويّاتهم الصغيرة، ومع تكثيف تعرّض هؤلاء الأفراد لوجهات نظر متشابهة في التفكير والمرجعيّة، يتعزّز الاستقطاب ويقلّل من فرص تماسك المجتمع الكبير، والنتيجة الكبرى لكلّ هذا تزايد ميل الفرد إلى الانكماش حول مجموعته الفرعيّة بحثا عن الأمن (بأشكاله) والانتماء، ويبدأ الناس في فقدان الثقة بعضُهم ببعض وحتى في الأنظمة السياسيّة التي تحكم (مجموع) المجتمع وفقاً للمصالح العليا للجميع.
- قال ومضى:
في حضرة الوطن.. الانتماء.. ماء.. يُفقِدهُ أيُ لونٍ طهارته..
نقلا عن الرياض