برغم الشروع في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتمديد الهدنة
في لبنان، وفيما تتجه الأوضاع في سوريا إلى الاستقرار، تظل هناك تحديات هائلة تواجه النظام الإقليمي العربي، لا بد أن يتصدى لها الثلاثي العربي المستعد لذلك والقادر عليه. ويتمثل هذا الثلاثي في السعودية ودولة الإمارات ومصر.
وقبل الحديث في تفاصيل حيثيات تشكيل محور الرياض - أبوظبي - القاهرة، والمهام الجسام الملقاة على عاتقه يجدر بنا أن نشير إلى أهم التحديات التي تستدعي هذا المحور العربي.
* أولاً، يُعد الشرق الأوسط أكثر أقاليم العالم اضطراباً، بل يُقدّم على أنه مثال نموذجي لمظاهر عدم الاستقرار، من حروب دولية وأخرى أهلية، واضطرابات سياسية داخلية وطائفية وإرهاب. وتكمن خلف هذه المظاهر، وربما بسببها، شبكة من التحالفات بين الدول من جهة وبين الدول والفاعلين من غير الدول من جهة أخرى. ولعل تشكيل محور إقليمي يركز جهوده على تسوية هذه الصراعات، وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار في المنطقة المنكوبة بات من اللزوميات. *
* ثانياً، برغم وقف إطلاق النار في جبهتي لبنان وغزة، فإنّ التطورات اللاحقة (الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للهدنة في لبنان، وتأخير انسحابها من الجنوب، والحول بين اللبنانيين والعودة إلى ديارهم، وفتح حكومة اليمين المتطرف جبهة نار أخرى في الضفة الغربية) تثبت أنّ الهدنة هشة على الجبهتين، وقد يُستأنف القتال مجدداً.
{ ثالثاً، تضع الحرب الإسرائيلية في الضفة الغربية تحديات كبيرة على النظام العربي؛ فاستمرار العدوان قد يفضي إلى حرب مفتوحة بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال، وإلى انهيار السلطة الفلسطينية، وإلى فوضى عارمة في المنطقة.
* رابعاً، يضع مقترح ترامب، الذي يتماهى مع اقتراب أكثر العناصر تطرفاً وعنصرية في اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم، بنقل أو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة (والضفة الغربية في مرحلة لاحقة) إلى مصر والأردن، أقول: يضع هذا المقترح شرعية ومشروعية النظام العربي كله على المحك، فضلاً عن وحداته. *
* خامساً، ثمة حاجة ماسة إلى جهد عربي منسق لترسيخ التوجه العربي المعتدل للإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، ودعم جهودها لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار وتنمية البلاد.
* سادساً، آن الأوان لتطوير دبلوماسية عربية هجومية لتسوية الأزمات العربية المركبة في اليمن والسودان وليبيا، وإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل عن طريق مصالحة شاملة في إطار الجامعة العربية.
* سابعاً، تزايد الاختراق من جانب دول المحيط للنظام العربي ووحداته المختلفة من الهلال الخصيب في الشمال، مروراً بفلسطين وليبيا، إلى اليمن والصومال والسودان في الجنوب. ويتراوح هذا الاختراق من العدوان أو التدخل العسكري المباشر، ودعم الميليشيات المسلحة، إلى التدخل في الشؤون الداخلية من دون احترام لمبدأ السيادة الوطنية.
ومن الصحيح أن ثمة أسس متينة للعلاقات بين الإمارات ومصر والسعودية، وثمة تفاعلات مكثفة وروابط متنوعة بينهم، وثمة تنسيق عالي المستوى بين قيادات الدول الثلاثة، ولكن ألم يحن لكل هذا أن تتم مأسسته في إطار محور ثلاثي (تحالف مرن) بين الدول الثلاثة، يتبنى منظوراً موحداً لإحياء النظام العربي وتجديد عافيته، ويستند إلى هيكل دفاعي مشترك، ويتحدث باسمه مجلس أعلى للسياسة الخارجية المشتركة؟
إنّ حيثيات تشكيل هذا المحور الإقليمي الثلاثي متوفرة، فالدول الثلاثة تشترك في التوجهات الخارجية، والسياسات التي تتسم بالاعتدال والتوازن والانضباط الشديد تجاه الجميع في الداخل والخارج. ومن حسن الطالع أنّ ما يجمع بين السياسات الخارجية لهذه الدول، في هذه المرحلة الحرجة من مراحل تدهور النظام العربي، كما يؤكد أحد الخبراء المصريين، «هو السعي لإنهاء الحروب والصراعات المسلحة، وتجاوز اتفاقات وقف إطلاق النار الجزئية والهدن المؤقتة باتجاه ترتيبات سلام وأمن جماعية ودائمة تحقق الاستقرار».
وتنهض العلاقات بين مصر والإمارات والسعودية على اعتماد متبادل مكثف في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية والاجتماعية. والأهم من ذلك أن قيادات الدول الثلاثة طوّرت نمطاً من الصداقة (أو الأخوة) عالي المستوى، وثمة ثقة متبادلة بينهم. وفي هذا الخصوص، أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة في تغريدة له بمنصة «تويتر» أن الشقيقتين السعودية ومصر ستبقيان محور توجهاتنا ومواقفنا.
وربما تكون البداية في تشكيل مجلس أعلى للشؤون الخارجية للمحور الثلاثي، برئاسة أحد الدبلوماسيين المخضرمين كمنسق أعلى للسياسة الخارجية للمحور، على غرار مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويضم وزراء خارجية الدول الثلاثة. ويشارك فيه أيضاً الوزراء المسؤولون عن شؤون الدفاع أو التنمية أو التجارة وفقاً لبنود جدول الأعمال. ولا شك أن هذا المجلس سوف يكون فعّالاً في تحقيق المهام السياسية الملقاة على دول المحور، استناداً إلى التاريخ الدبلوماسي الطويل لمصر ومواردها المؤسسية ووزنها الشعبي والثقافي في العالم العربي، والقدرات السعودية السياسية والرمزية والمالية، والدبلوماسية الإماراتية الإقليمية والدولية النشطة.
وتكون الخطوة اللاحقة في تكوين منظمة مصغرة للأمن الإقليمي بين الدول الثلاثة مفتوحة العضوية لكل أعضاء الجامعة العربية، تقوم على أساس الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتسوية السياسية للمشكلات والأزمات والصراعات العربية، والامتناع عن استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها، والامتناع عن التورط في دعم الميليشيات المسلحة أو أطراف الصراعات الأهلية.
