لاحظنا في السنوات العشر الأخيرة من عمر مجلس الشورى، أن المجلس أكثر نشاطا وفاعلية من سنوات طويلة مضت وانقضت من دون فاعلية تذكر، وخلال عقد من الزمن أثبت المجلس الموقر أنه يتابع ويراقب برامج ومشاريع التنمية الشاملة، وشاهدنا الكثير من الوزراء وقيادات السلطة التنفيذية وهم يلبون دعوات المجلس ويحضرون الجلسات ويردون عن الاستجوابات التي يوجهها إليهم أعضاء المجلس، والتي كانت لا تخلو من انتقادات لاذعة وتوجيهات موضوعية سديدة.
لكن الملاحظ أن مجلس الشورى لم يناقش قضية الصحافة المحلية السعودية رغم مرور عشر سنوات على إقراره نظام المؤسسات الصحفية الذي تم في عام 2001، ثم نسي في الزحمة أن الصحافة أصبحت في ملعب واحد مع مجلس الشورى تقوم بوظيفة المتابعة والمراقبة لأعمال السلطة التنفيذية، كذلك لم يلاحظ مجلس الشورى أن الصحافة لم تعد سلطة رابعة فحسب، بل أضحت أكثر من رابعة وأنها أصبحت كألوان الطيف أشكالا وألوانا، بيضاء وصفراء، ورقية وإلكترونية، وأنها باتت تدخل كل بيت وكل دار، وتدس أنفها في كل شأن من الشؤون، وأنها لم تعد تقوم بوظيفة التوجيه فقط، كما نص على ذلك نظام المؤسسات الصحفية، بل أصبحت تقوم بكل الوظائف التي يحتاج إليها أي مجتمع يريد أن ينمو ويزدهر، أكثر من هذا أن الصحافة - في ظل المستجدات التي نشهدها وبالذات بين شرائح الشباب - سيكون لها دور متقدم في صياغة وعي الأمة إزاء المستقبل العريض الذي ينتظرها.
لذلك فإن الحاجة ماسة الآن إلى أن يعود مجلس الشورى إلى الصحافة السعودية ويناقش همومها ويبحث في إعادة هندسة مستقبلها، ونقترح على مجلس الشورى الموقر أن يدعو رؤساء مجالس إدارات الصحف ورؤساء التحرير إلى اجتماع مشترك يناقش معهم الدور والمسؤولية المنوطة بهم في الظروف الصعبة التي تمر بها مجتمعاتنا العربية، ويحدد استراتيجيات المرحلة القادمة المفتوحة على كل الاحتمالات، ويعمل معهم على وضع رؤية موضوعية لمستقبل الأمة في ظل الظروف القائمة والمحتملة.
وأحسب أن مجلس الشورى يتفهم مشكلات المؤسسات الصحفية، وسيسعى بكل ما أوتي من جهد للمساعدة على حلها؛ حتى تستطيع الصحافة أن تلعب دورا مؤثرا في حماية المجتمع السعودي من الموجات التي تحوم حوله - في هذه الأيام - من كل حدب وصوب.
ولا شك أن من أهم المطلوبات لدعم الصحافة المحلية هو إعادة صياغة نظام المؤسسات الصحفية؛ حتى يكون متواكبا مع العصر.
إن الذي يحكم الصحافة السعودية نظامان، نظام إداري وتنظيمي، وهو نظام المؤسسات الصحفية، ونظام رقابي وسياسي، وهو نظام المطبوعات والنشر، والنظامان - بصيغتهما الحالية - لا يصلحان ألبتة لإدارة صحافة تجاوزتهما في التطبيق وتعاملت مع مستجدات عصر تكنولوجيا المعلومات والعالم الافتراضي بشيء من الحرفية والإتقان.
إن نظام المؤسسات الصحفية أصبح غريبا على الصحافة السعودية سواء من ناحية التقنية والمهنية التي باتت الصحافة تستخدمها، أو من الناحية التنظيمية والإدارية التي أصبحت تتقدم كثيرا عن النصوص التقليدية البسيطة التي يطالب بها النظام.
والمؤسف أن نظام المؤسسات الصحفية القائم لم يحسم كل القضايا التي تعرض لها، بل وقف في المنتصف ومسك العصا من المنتصف، ونذكر - على سبيل المثال - أن نظام المؤسسات الصحفية لم يحسم رأيه في هوية المؤسسات الصحفية، هل هي شركات مساهمة أم شركات تضامنية أم شركات ذات مسؤولية محدودة، فهي يمكن أن تكون كل هذه الشركات مجتمعة ويمكن أن تكون أي من هذه الشركات، أمّا أعضاء المؤسسات الصحفية فهم ليسوا منتخبين ولا معينين، بل هم معلقون بين هذا وذاك، وكذلك فإن رؤساء التحرير والمديرين العاميين ليسوا منتخبين ولا معينين ولا حتى مختارين، بل هم جزء من كل هذه المصطلحات، كما أن النظام يعطي الحق لأصحاب الحق في الحصول على الأرباح، لكنه في الوقت نفسه ينزع منهم هذا الحق ويقول إن الربح ليس هدفا في ذاته.
ولا يمكن أن نتصور في العصر الاقتصادي الدولي الذي نعيشه أن مؤسسات إعلامية عملاقة ليس هدفها الربح، إنما هدفها أداء الخدمة كالمؤسسات الخيرية والتطوعية.
ولنا أن نتخيل قبل ذلك وبعد أن الصحافة الإلكترونية التي أصبحت صحافة مجلجلة وتتقدم بخطى ثابتة أو تتقدم لتهدد وجود الصحافة الورقية، لا يغطيها نظام المؤسسات الصحفية ألبتة، بمعنى أن النظام لا يتناول ظاهرة الإعلام الإلكتروني لا من بعيد ولا من قريب وكأن الأمر لا يعنيه، علما بأن المقصود بالإعلام الإلكتروني هو كل ما نقرأه ونسمعه ونشاهده عبر الإنترنت، وما حدث أن وزارة الثقافة والإعلام أصدرت أخيرا لائحة ملحقة بنظام المطبوعات والنشر، وهذه اللائحة تم تجديدها في محاولة لتغطية هذا النشاط الخارق الذي تتصدره في هذه الأيام الأندية السماوية مثل 'فيسبوك' و'تويتر'، كذلك لم يتعامل نظام المؤسسات الصحفية مع الجمعية العمومية على أساس أنها جهة رقابية وتوجيهية في المؤسسات الصحفية، حيث اختصرت المادة 8 وظائف الجمعية العمومية في رسم السياسة العامة للمؤسسة واختيار مجلس الإدارة وتعيينهم، ولم يذكر النظام الانتخاب، بل استخدم مصطلح الاختيار والتعيين، وفي التطبيق فإن الجمعيات العمومية لا ترسم السياسة العامة ومعظم المؤسسات الصحفية لم ترسم لها سياسة عامة ولا تنتخب أو تعين أو تختار رئيس التحرير كما نص النظام.
أمّا ما يتعلق بمجالس الإدارات فإن المادة 10 أعطت لمجلس الإدارة ما سبق أن أعطته للجمعية العمومية، ومن ذلك أعطى النظام الجمعية العمومية حق اقتراح وإصدار اللوائح الداخلية، والحق نفسه منحته لمجلس الإدارة، كما أن النظام أعطى الجمعية العمومية حق اختيار رئيس التحرير، وفي الوقت نفسه منح النظام مجلس الإدارة الحق نفسه، ومن السلبيات أن مجلس الإدارة ينتزع من الجمعية العمومية في أول اجتماع للجمعية بعد الانتخاب تنازلا عن كل اختصاصاتها ويصبح من حق مجلس الإدارة أن يقوم بكل الوظائف التي كان يجب أن تقوم بها الجمعية العمومية؛ ولذلك يصبح اجتماع الجمعية العمومية السنوي اجتماعا بروتوكوليا لنادي المهمشين، كما أن النظام أشار إلى تشكيل هيئة للصحفيين ووصفها بأنها هيئة مستقلة، وهي في الواقع ليست كذلك.
كل هذه الملاحظات على نظام المؤسسات الصحفية تحتم على مجلس الشورى بعد عشر سنوات من إقراره النظام أن يتحرك باتجاه أحد أهم النشاطات الشبابية (الصحافة)، ويناقش أوضاعه ويساعد على حل مشكلاته ويسهم في وضع الخطوط العريضة لتأسيس مرحلة جديدة من التطور الذي يجعل الصحافة منبرا حرا قويا يعمل بفاعلية مع منظومة دعم الاستقرار والدفع باتجاه تحقيق المزيد من برامج التنمية المستدامة.
نقلا عن الاقتصادية السعودية