تقرير المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وقبلها المؤسسة العامة للتقاعد يدق ناقوس الخطر، فالعجز الاكتواري الذي يشير إليه تقريرهما هو تنبؤ بالمصاعب المالية التي قد تواجهها هاتان المؤسستان في المستقبل وتمنعهما ربما من الوفاء بالالتزامات المالية أمام كل من ائتمنهما طوال سنوات عمله وتنازل لهما عن جزء من دخله ليضمن لنفسه حياة كريمة عندما يحين وقت الشيخوخة.
ولهذا دعونا معاً نبحث عن مخرج طالما الحديث يدور عن احتمال للعجز وليس عن عجز موجود، فنحن هنا أمام معادلة طرفها الأول الإيرادات التي تحصل عليها مؤسستا التأمين من اشتراكات المؤمن عليهم مضاف إليها العائد المجني مقابل استثمار تلك المبالغ. أما الالتزامات فهي ناجمة عن مصاريف هذه المؤسسات على نشاطها الإداري اليومي، وكذلك المبالغ التي تدفعها لمستحقي التأمين، وهكذا فإن العجز الاكتواري إما أن يكون ناجم عن خلل في تحصيل المبالغ أو عدم كفاءة في إدارتها وقد يكون كليهما معاً.
وبصراحة فإن تقارير مؤسستي التأمين يثير العديد من علامات الاستفهام، ويدعو للكثير من القلق. فالتأمينات الاجتماعية لدينا مدللة مثلها مثل مصارفنا التي تكدس الودائع الجارية التي لا تدفع مقابلها فوائد لمودعيها ولا تستفيد منها كما يجب. فهي من بين مؤسسات التأمين الاجتماعية النادرة في العالم التي لا تدفع للمستحقين بدلاً لغلاء المعيشة. وهذا الوضع غير العادل يفترض أن يجعلها في وضع مالي أفضل مما تشير إليه تقاريرها. هذا جانب. أما الجانب الأخر فهي محسودة إذا ما جرت مقارنتها مع مؤسسات التأمين في أوروبا. فالمجتمع السعودي، في اختلافه عن العديد من سكان العالم مثل الصين وفرنسا وألمانيا وغيرها في القارة العجوز، هو مجتمع شاب تغلب عليه الفئات العمرية ما دون 30 عاماً. وهذا معناه إن الطرف الأول من معادلة الحساب الاكتواري أي الإيرادات التي تحصل عليه التأمينات يفترض أن تكون أكبر من الالتزامات المترتبة أو التي سوف تترتب عليها في المستقبل.
بالفعل فإن مؤسستي التأمين في المملكة في وضع يفترض أن تكون فيه مراكزهما المالية مريحة. ولكن هذا يحتاج إلى بعض الجهد والكفاءة، فالتأمينات يمكن أن تحصل على إيرادات مجزية إذا ما تمكنت من استثمار أموالها في قنوات استثمارية مجدية، ولكن هذا الأمر الواضح مثل وضوح الشمس يصعب الوصول إليه إذا كانت الهياكل الإدارية غير متطورة بتلك الدرجة التي تتجاوب مع المعطيات، وهذه مشكلة تعاني منها ليس فقط مؤسستي التأمين شبه الحكوميتين وإنما العديد من الشركات الخاصة المدرجة في سوق أوراقنا المالية.
ولكن اللَّهَ -سبحانه وتعالى- لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. فالمؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تحتاجان -كما يبدو لي- وقبل كل شيء إلى إعادة هيكلة. وذلك من أجل خفض النفقات الإدارية غير الضرورية واستقطاب أصحاب الكفاءة القادرين على إدارة الأموال المتراكمة وتوظيفها في قنوات استثمارية مجزية. إن هذا هو السبيل الأفضل لتلافي هاتين المؤسستين العجز الاكتواري وتمكنهما من دفع ليس فقط مستحقات التأمين لأصحابها وإنما مقابل غلاء المعيشة لهم أيضاً.
نقلا عن الرياض