منذ تأسيس المملكة وهي تختار أصدقاءها، لكنها لا تختار أعداءها. فهي معتدلة دبلوماسياً، تحرص على حماية مصالحها، ولا تتدخل في شؤون أحد. غير ثمة أصوات لم يقف زعيقها وتورّث تلك الأصوات مشاكلها، همّهم في طرحهم التجريح بالسعودية ونشر الكلام عنها.
أذكر أنّ محللاً كان مهووساً بكيل التهم للسعودية، كان يتحدث عن السعودية وأنها لن تقدم جديداً في قمةٍ عربية، وبعد إنهائه للحديث بدقائق طرح الملك عبدالله على العرب "نظرية المصالحة" والتي كانت تعبّر بشكل محكم عن أساسيات التعاطي السعودي مع الشأن الدولي، هذه هي الصورة التي تقدمها السعودية، إنها تخطو بالفعل، وهم يتحدثون بصوتٍ عالٍ يخافون من أيّ خطوة تتخذ.
ومع انتشار الوسائل التقنية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وجد البعض فيها نافذةً لإغراق المجتمع بالشائعات، تتناول الشأن السعودي، والبعض من المجتمع لبراءته يصدّقها، لأن "ثقافة المصدر" لم تتشكّل على النحو المطلوب اجتماعياً، تتحدث تلك الرسائل المجهولة المنثورة على الأجهزة بكلامٍ طويلٍ عريض سرعان ما تبيّن أفعال السعودية عدم صحّته.
أحد السياسيين من دولةٍ عربية سخّر ساعاتٍ من برنامج إحدى القنوات لبثّ الخرافات والأكاذيب عن السعودية ومسارها السياسي والتنموي. ثم في ليل الخميس 27 أكتوبر أصدر الملك أمره بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وهو قرار يعبّر عن تماسك فريد في هيكلية الدولة، وصدر من هيئة البيعة التي تنظّم تنصيب الحكم في السعودية. عبّر السعوديون عن قيمةٍ حيوية في عملية التأسيس لقراراتٍ مؤسسية يحرسها ويرعاها القرار الملكي.
يأتي الأمير نايف ولياً للعهد بعد أن طَمأَن المجتمع أمنياً وإدارياً على مدى عقودٍ من إدارته لوزارة الداخلية، وحمايته للمملكة من الذين حاولوا أن يمسّوا شرايين الوطن، من جماعاتٍ إرهابية، أو عصاباتٍ مسلحة، أو مخرّبين في مواسم الحج مدعومين من قوىً إقليمية، كل تلك المحاولات عادت وهي حسيرة بعد خيبةٍ تامة. يأتي ليكون حصانةً للسعودية من كل الأيادي التي تودّ لو أنّها تتمكن من العبث بالأمن أو بالسيادة، ليشرق المتربّصون بنا بهذا التماسك المستديم بين السعوديين وقادتهم.
حين يصرّح بعض المسؤولين الإيرانيين عن السعودية لا يعلمون- أو يتجاهلون ربما - البنية المتماسكة التي تحصّن البلد من أيّ إرادة شقّ يحلمون بها. فالأمير نايف خبير بأشكال الأيادي وألوانها وأصنافها، تلك التي اقتربت أو حاولت أن تقترب من حدودنا الأمنية أو من أجهزتنا الإدارية، أو من ثرواتنا المالية، ويعلمون جيداً أنه يعرفهم، وهذه قوةٌ أمنية معنوية كبيرة تقمع المتربّصين بالبلد الدوائر.
حاولوا أن يستهدفوا النفط، والداخلية، ومباني المرور، وأفراد الأمن، بل والإعلاميين والمفكرين فلم يستطيعوا، لأن القوة الأمنية صنعت بناءً متماسكاً لا تهزّه عاتيات الرياح.
لم نكن نلقي بالاً للذين يتحدثون عنّا، أو عن السعوديين كمجتمعٍ، أو عن السعودية بمساراتها السياسية والتنموية، لكن حين تكون بعض تلك الأقاويل تتداول لدى بعض أفرادٍ من مجتمعي، فإن من الضروري أن نُنبّه الناس إلى أن "مصدرية الخبر" ضرورية، وأن الخبر الذي يكون غفلاً من المصدر الرسمي فإنه يطوى ولا يروى. ولتكن الأدوات التقنية، أو مواقع التواصل الاجتماعي خارج نطاق نشر أي كذبةٍ أو شائعة، وأن نشغّل "فلاتر النقد" التي تطهّر أذهاننا من أي شائبةٍ خبريّة، أو أي شائعةٍ مهما كانت صياغتها محكمة، وقديماً قالت العرب:"وما آفة الأخبار إلا رواتها".
يمكننا أن نعلم سذاجة بعض الأقاويل، حين نعرضها على الثوابت السعودية. لدى السعودية أسسها الدبلوماسية مثلاً، والتي تأسست منذ عهد الملك عبدالعزيز، حيث تعتمد السعودية دبلوماسياً على كسب الأصدقاء. لقدّ قدّمت السعودية نواياها الحسنة حتى مع أعدائها الذين اختاروها ولم تخترهم، مثل إيران، حيث يذكر عبدالحليم خدام في مذكراته التي صدرت مؤخراً أن الملك فهد رحمه الله كان يطلب من الإيرانيين شيئاً أساسياً، أن لا يعتدوا على سيادتنا، كما أننا لم نعتدِ على سياستهم. كذلك الأمر بالنسبة للقذافي الذي حاول اغتيال الملك عبدالله، ومع ذلك أبدت السعودية حسن النوايا حباً في الشعب الليبي، ولكن كل تلك النوايا قوبلت بالنكران، حيث رأينا المخطط الإيراني الأخير، ولا يمكن إلا أن يوصف بأنه مخطط نبع من عداء.
إن إدراك مثل هذه الثوابت سواء على مستوى الدبلوماسية أو سواها هي ما تجعل من السعودي فرداً ناقداً، يميّز الاخبار من خلال أسلوبين أساسيين، أولهما: مصدرية الخبر، وثانيهما: معرفة الثوابت السعودية التي يمكن للمتابع إدراكها واستنتاجها.
بتعيين الأمير نايف ولياً للعهد نفرح ونبتهج؛ حيث إن مدده الإداري والثقافي والعملي يخبرنا عن الشخصية الفذّة التي يتمتع بها الأمير، من قياديةٍ حازمة، وعطفٍ على الشعب، وحزمٍ مع المخرّبين، وهذه هي المواصفات القيادية التي يتمناها أي إنسانٍ يريد لبلده الخيرية الدنيوية والدينية، والحيوية الإدارية، والحصانة الأمنية والسياسية، إنه خير خلفٍ لخير سلف، ولي عهدٍ أمينٍ يعضد أخاه الملك لقيادة سفينةِ البلد نحو آفاق التنمية والنهضة والأمن والحياة..
نقلا عن الرياض