يُعرّف "اقتصاد المعرفة" بأن تكون المعرفة هي المحرك الرئيسى للنموالاقتصادي (ويكيبيديا). و لاشك أن عددا محدودا من جامعاتنا بدأت تتبنى هذا المفهوم، ليصبح المحرك الرئيسي لخططها الإستراتيجية في التعليم والتعلم والبحث العلمي. وهذا منهج أتمنى أن تستوعبه كل جامعاتنا بدون استثناء. وأؤكد هنا أن (على مؤسسات التعليم العالي، أن تُحدد أولوياتها المعرفية، وأن تسعى إلى التفوق والقدرة على المنافسة المعرفية في هذه الأولويات) " د/ عبد القادر الفنتوخ - إقتصاد المعرفة ودور التعليم العالي".
لكن مما يلاحظ : أن تعظيم هذا المفهوم والإهتمام به، سوف يتجاهل - بطبيعته – علوماً أخرى يمكن جمعها كلّها – تجاوزا - تحت عنوان الدراسات الإنسانية . ومن المعلوم والمتفق عليه أننا في بلاد الحرمين الشريفين نملك موروثاً ثقافياً وحضارياً هائلاً، وهو مخزون ذو قوة تأثيرية لامثيل لها في العالم كله. فاللغة العربية والتاريخ الإسلامي والموقع الجغرافي للمملكة، وأبعاد ذلك كله لايمكن التغافل عنه أبدا. وبرغم تطور مفهوم "إقتصاد المعرفة " في الجامعات الغربية، إلا أنها لم تغفل الدراسات الإنسانية والتعمق فيها، بل وصل الأمر بها إلى أن تقتات في دراساتها على موروثنا الحضاري. ومن يراجع مواقع جامعات مثل أكسفورد وماسترخت وغيرها، يجد مراكز للدراسات في الحضارة الاسلامية وتاريخ الجزيرة العربية وآداب اللغة العربية، بل مراكز لدراسات العقيدة الاسلامية ! فعلى سبيل المثال هناك أكثر من 250 برنامجا للماجستير في مجال العلوم الإنسانية تُقدّم في جامعات هولندا.
خلال اللقاءات الكثيرة مع عدد من صناع القرار في الجامعات الأوروبية والأمريكية وخلافها، كان السؤال عن مدى إمكانية التعاون مع الجامعات السعودية في الدراسات الإنسانية وعلومها، بما في ذلك إرسال طلابهم إلى جامعات المملكة، إيمانا منهم أن بلدنا والحمد لله منبع ثر وأصيل وموثوق لتلك العلوم.
إن المحافظة على ( الدراسات الإنسانية ) وتعظيم دورها في جامعاتنا مع تفعيل مفهوم ( إقتصاد المعرفة) مطلب ينبغي أن نسعى له ونعمل على تحقيقه، إذ سيكون من نستقطبه ونستضيفه من طلاب الجامعات الدولية "سفراء معرفة " بعد أن يمضوا بيننا أشهرا أو سنوات لتعلم اللغة أوالحضارة العربية أو الدراسات التاريخية والإسلامية وآثارها . ومما لاشك فيه أنهم حين يعودون إلى بلادهم سينقلون صورة إيجابية – إن أحسنّا عرض مالدينا – عن المملكة و شعبها ومنهجها.
أجزم أنه قد آن الأوان لأن يتم التخطيط لتأهيل وتفعيل كلّ أقسام الدراسات الإنسانية في جامعاتنا، لتستوعب طلابنا وباحثينا و الطلاب من كل أنحاء العالم , على المستوى الجامعي و الدراسات العليا . خصوصا ونحن نواجه في بلادنا حملات خارجية شرسة يوازيها ادّعاء جهات خارجية مرجعيتهم في تلك العلوم و التي نحن أهل لها . . وبالله التوفيق .
نقلا عن المدينة