كان معروفا منذ البداية أن التوزيع السكاني في المملكة يتميز بطبيعة تشتتيه. فبحسب (المسح الاجتماعي الاقتصادي للهجر والقرى السعودية، التقرير الرابع 1984م : 57 ــ 66) لوزارة الشؤون البلدية والقروية كان في المملكة (103) مدن و(8,935) قرية و (1,412) هجرة صغيرة. وكان يعيش في كل هجر وقرى المملكة مواطنون ينتسبون في الغالب لنفس القبيلة أو العائلة ولكن المشكلة كانت تكمن في أن 31 % فقط من إجمالي القرى والهجر السعودية كانت قابلة للتوسع والتطوير. وقد عززت نتائج هذا المسح الاجتماعي والاقتصادي لوزارة الشؤون البلدية والقروية نتائج مسح آخر قامت به وزارة الداخلية أفاد بأن68 % من الهجر والقرى غير قابلة للتوسع.ونعرف أيضا أن مشكلات تنظيمية وتنسيقية كانت تعترض جهود التنمية منذ البداية فقد لجأت كل مصلحة حكومية إلى اعتماد مدخل تعريف خاص بها للمناطق. فبحسب تعريف وزارة الداخلية قسمت البلاد إلى 14 منطقة إدارية تحولت في وقت لاحق إلى 13 منطقة. ولكل منطقة أمير يرتبط إداريا بوزير الداخلية ولا يتعدى دوره بالنسبة لفروع الوزارات والتنظيمات الحكومية الدور التنسيقي والرقابي. وبحسب مدخل وزارة التخطيط فقد حددت المناطق بخمس مناطق تخطيطية وهذه المناطق التخطيطية هي أقرب ما تكون للتحديد المناطقي التاريخي للبلاد. والمشكلة في هذا التحديد هي في أنه لا يتفق مع التحديد المناطقي لوزارة الداخلية من ناحيتين.(1) بحسب نظام المقاطعات السعودي كل منطقة إدارية ترتبط مباشرة بوزير الداخلية ارتباطا أمنيا لا تنمويا. ولا يعني تواجد عدد من هذه المناطق الإدارية ضمن منطقة تخطيطية واحدة أن بينها ارتباطا إداريا من أي نوع.(2) في بعض الحالات يمكن أن نجد أن بعض المحافظات مثل (محافظة الوجه) تقع في منطقة إدارية وتتبع منطقة تخطيطية أخرى غيرها. فمحافظة الوجه هي جزء من منطقة تبوك الإدارية ولكنها لا تتبع نفس المنطقة التخطيطية التي تتبعها تبوك وهي المنطقة الشمالية الغربية ولكنها تتبع المنطقة الغربية. ونجحت وزارة التخطيط باعتمادها مدخل مراكز النمو الوطنية والإقليمية بمواجهة الطبيعة التشتتية للهجر والقرى المتناثرة بجذب وتركيز السكان والخدمات التنموية في 22 مركز نمو وطني و 25 مركز نمو إقليمي، ولكنها أهملت الأثر التراكمي الخطير لهذا التركيز والمتمثل في تفريغ مدن وقرى تاريخية كانت قابلة للنمو، بحسب مسح وزارة الشؤون البلدية والقروية، من سكانها وإجبارها على الذبول والاضمحلال التنموي.ورغم تنبه المنظرين الغربيين الذين ابتكروا هذا المدخل في التنمية إلى خطورته واستعاضتهم عنه منذ ثمانينيات القرن الماضي بالتنمية الريفية والمناطقية المرتكزة على تنمية وتطوير إمكانات النمو أينما وجدت، إلا أن المخططين في المملكة لم يتراجعوا عن مدخل مراكز النمو وذلك ما أسهم في تراكم المشكلات التنموية وفي مقدمتها تفاقم أزمة الإسكان في المدن الكبرى وحولها في ضوء مسؤولية وزارة أخرى غير التخطيط عن توزيع الأراضي واستخداماتها ووزارة أخرى عن التخطيط للمشاريع السكنية وثالثة عن التمويل.ولذلك أرى أن الحل التنموي خاصة في الإسكان لا يمكن أن يأتي من خلال التعامل مع الظاهرة والبحث عن الحلول الجزئية (فأية حلول جزئية في قطاع ستقود إلى مشكلات جزئية في قطاع آخر). وفي الإسكان لا يمكن للحلول الصينية أو السنغافورية أن تعالج الأزمة علاجا قابلا للاستدامة والاستمرار فنظام العمائر السكنية والبيوت الضيقة لا يتناسب بالشكل الذي ينفذ فيه حاليا مع شعب لا يزيد تعداده على 20 مليون نسمة ويملك مساحة من الأرض تزيد على 1,2 مليون كيلومتر مربع وتربط بين أبنائه وشائج اجتماعية، عائلية وقبلية ومناطقية، تتسم بالقوة والامتداد. ولربما كانت هذه الحلول مناسبة للعشرة ملايين مغترب الذين يعترف وزير التخطيط بأنه لم يحسب لهم حسابا.. ولذلك أرى ضرورة التعجيل بإنشاء وزارة للحكم المحلي أو إضافة مهامها لوزارة الداخلية لتحمل مسمى (وزارة الداخلية والحكم المحلي) ليرتبط بها أمراء المناطق ارتباطا تنمويا وتصبح فروع الوزارات الموجودة في المناطق ضمن سلطاتهم وتأتمر بأمرهم بعد إعادة هيكلتها على أن تكون العلاقة مع الوزارات المركزية علاقة تنسيقية، بمعنى أن التخطيط التنموي في مختلف المجالات والقطاعات لكل إمارة يتم محليا ضمن مخطط وطني عام تتفرغ فيه الوزارات للتخطيط الاستراتيجي وتنسيق السياسات العليا والإشراف والمتابعة وتترك لكل منطقة شؤونها التنموية الخاصة لأنه ثبت للعالم أجمع أن التخطيط المركزي لا يمكن أن يفرز تنمية متوازنة إقليميا أو قطاعيا ولا يمكن أن ينجح أحد في التخطيط لمنطقة مثل أهلها. ولعل هذا ما تعلمناه، على الأقل، من تجربة الاتحاد السوفييتي التنموية المركزية التي بدأت وانتهت في أقل من قرن من الزمان.
نقلا عن عكاظ
- الحكومة المصرية: السعودية ستضخ 5 مليارات دولار استثمارات في البلاد
- تعاون لبناء القدرات
- رافد” برنامج لتأسيس مصانع ابتكارية في جامعات سعودية
- وزير الخارجية الكويتي نسعى لطرح «الشنغن» بالقمة الخليجية ـ الأوروبية
- الصين تزيد سن التقاعد في البلاد الى 80 عاما وسط تخوفات من زيادة معاناة كبار السن
- الدول العربية تتطلع إلى تعزيز التعاون في مجال نقل التكنولوجيا مع الصين
- اتحاد الكرة في الكويت يستقيل
- التضخم السنوي في السعودية يسجل 1.6% في أغسطس
- هل تتجه السعودية لاستخدام اليوان الصيني في مبيعات النفط؟
- اتفاق سعودي قطري لتبادل المعلومات الأمنية
أزمة الإسكان إحدى خطايا التخطيط المركزي
Permanent link to this article: http://www.alwakad.net/articles/80602.html