في ظل ما يشهده ملف التوطين والتمكين من تقدم، تجلى في تمكين المرأة، ودعم رواد الأعمال والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.. وتحقيقا لرؤية المملكة 2030 حظي القطاع الخاص بنصيب الأسد فيما يتعلق بإسهاماته الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن حزمة البرامج التي تستهدف تسهيل الحصول على التراخيص والقروض، وإعادة هندسة الإجراءات والشروط والطلبات، وتعزيز التعاملات الإلكترونية لاختصار الوقت والجهد والمسافة.. وفي ظل كل هذه التحركات والمناخ الإيجابي نجد في المقابل تزايد وكثافة الحملات التفتيشية للجهات الحكومية، وتوكيل شركات للتنفيذ كلٌّ على حدة، من دون تنسيق وتكامل مع أصحاب تلك المشروعات الناشئة، التي لم يتجاوز بعضها أشهرا، ناهيك عن حداثة الخبرة في السوق، والمبالغ التي دفعا البعض من مدخراتهم ومدخرات أسرهم للتأسيس والتشغيل.
اليوم المبالغة في استخدام العصا مقابل تقنين تقديم الجزرة للمشروعات الناشئة متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة - سياسة تحد من نمو تلك المشروعات، وتجعل من بيئة قطاع التجزئة بيئة طاردة ومنفرة؛ بسبب كثرة الغرامات والشروط والمتطلبات، والمبالغة في التدقيق والتمحيص من دون الأخذ في الحسبان فترة التأسيس، والخبرة، والربح والخسارة، وتأثير تلك الغرامات في تآكل الهامش الربحي، وضغطها على المصروفات التشغيلية والتحسينية والتوظيف، وما إلى ذلك من أمور ذات علاقة.
فيه مثل يقول "من يأكل العصا ليس كمن يعدها"، وهذا يأخذنا في الأساس لفلسفة العقاب مقابل الثواب، والعصا مقابل الجزرة، والسجن مقابل العقوبات البديلة، والتحكيم والصلح بدلا من الإجراءات الأكثر عقابا وصرامة وكتما للحرية والإنسانية، والمسؤولون المنتمون إلى مدرسة الصقور في الإدارة ليسوا كالمسؤولين المنتمين إلى مدرسة الحمائم في الإدارة، خاصة إذا تولوا سلطة العقاب، فالفئة الأولى تجنح إلى الخيارات المؤلمة بغض النظر عن النتائج سواء نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تتعارض مع سياسات الدولة.. فتمركزهم حول ذاتهم يجعلهم متصلبي الرأي، لا يتمتعون بالذكاء الاجتماعي والعاطفي، وعكسهم المسؤولون من فئة الحمائم الذين يتبنون الحلول الوسط وذات الطابع الإيجابي الداعم، والتسويات المنصفة لجميع الأطراف، وآليات التصالح والصلح والتحكيم وتطبيق روح الأنظمة. وقد سعدت بخبر توجيه النائب العام سعود بن عبدالله المعجب أخيرا بافتتاح وحدات للصلح الجنائي في جميع وحدات فروع النيابة العامة، وفقا لمبادرة تعنى بالعدالة التصالحية الجنائية خصوصا، التي أتمنى أن ينعدي ويحتذي بها فئة الصقور من المسؤولين.
اليوم الدولة من مسؤولياتها - كجهة تنفيذية لتطبيق الأنظمة - التخلي عن الأساليب المؤلمة والمنفرة والطاردة، التي قد تنتج عن تطبيق الغرامات والإغلاقات على مؤسسات قطاع التجزئة الناشئة المتجاوزة لبعض الاشتراطات أو المتطلبات والكماليات التي لا تمس صحة الناس، وتقديم الإرشاد والتوعية والدعم والتدريب والشراكة.. إلخ كبدائل عقابية.
نقلا عن الرياض