اليوم وبعد تصريحات رئيس نزاهة المعين حديثاً تبدو ملامح مرحلة جديدة في التعاطي مع ملفات وسلوكيات مكافحة الفساد والخروج من مرحلة الركود والنمطية الحكومية وضعف المبادرة إلى الشفافية والمبادرة والشراكة سواء مع الأفراد أو كتاب الرأي أو المجتمع المدني.
نزاهة اليوم لا يفترض منها أن تلعب دور القضاء أو التحقيق والادعاء العام، وتقوم بأدوار هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المحاسبة والمباحث الإدارية.. ولكنْ المطلوب منها التنسيق والتكامل والتفعيل مع كل تلك الأجهزة، والقرب من الناس وكتاب الرأي بما يضمن تعزيز الشراكة والمواطنة الصالحة والمسؤولية الوطنية، وهذا يتطلب إعادة هيكلة تلك المؤسسة الحكومية على مستوى المفاهيم والمهارات والمعلومات والقدرات، وإعادة ترميم العلاقة مع الإيجابيين والمبادرين من الأفراد، وخلق تجمعات دعم لتعزيز النزاهة كمجتمع مدني موازٍ لدورها، وذراع لها في جمع المعلومات واختراق دوائر ودهاليز الفاسدين والفساد، ناهيك عن تعزيز العلاقة مع كتاب الرأي والإعلاميين لتعزيز النزاهة والتعاون في تبادل المعلومات، وتقديم مبادرة حسن نيات، وإعادة ترميم العلاقة مع الأفراد الذين مروا بتجارب غير مريحة لتعاونهم، فلم يحظوا بالشفافية، وأرهقوا بالطلبات وكثرة المساءلات، مما جعلهم أكثر إحباطاً؛ لأنهم تلقفوا وبلغوا كما ينعتهم الآخرون.
اليوم المعالجة والتناول للكثير من الممارسات والسلوكيات الفاسدة لا يمكن أن تتما بالإجراءات النمطية واللجان والخطابات، فالحصول على المعلومة هو حجر الزاوية في الحرب على الفساد، فإذا كانت المعلومة مضللة أو غير موثقة أو من طرف واحد أو غير واضحة أو من أفراد لديهم معتقدات وممارسات فكرية معرفية وسلوكية ذات طابع معين أو من أفراد غير متعاونين ومقاومين للنزاهة فلن تكون هناك حرب واقعية وحقيقية ضد الفساد.. ناهيك عن أن هناك حقيقة وتحدياً آخر؛ فالأغلبية إن لم يكن الكل يعتبر شريكاً في تلك الممارسات وبشكل نسبي؛ فإما أن يكون من المتورطين بشكل مباشر أو من المشاركين والمنتفعين أو المحسوبين أو من الفئة الصامتة أو غير شفاف أو من الخائفين على رزقهم.. المهم كلهم شركاء من دون تبرير أو إسقاط أو استثناء، فالسلوك والفكر الفاسد كضوء الشمس يسطعان على الجميع، ولا يمكن تغطيته بغربال إلا من رحمه ربي، وامتلك الشجاعة وخاف من الله واستطاع أن يعلق الجرس، وبادر بالتبليغ وتحمل نتائج تلك المبادرة التي لا تخلو من الألم، وربما يكون كبش الفداء.
اليوم يجب أخذ حالة الفساد إلى المسرح والدراما والكوميديا لمحاربة القوى المجتمعية السلبية، وكشف الفساد النظامي المؤسسي والوصول للقيادات التي تؤسس له وتحتكر الحوافز والمميزات وتمارس السلطة التقديرية وانعدام الشفافية، وإطلاق منصة تقرير المواطن لكي يبدي رأيه في الخدمات وخلق وجهة نظر مختلفة وموازية لوجهات النظر الحكومية من أجل التطوير والتغيير وتجفيف منابع الفساد المؤسسي قبل أن تستفحل.
نقلا عن الرياض