تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها متمسكين بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجاً كما أمرنا الله بذلك معتزين بقيمنا وثوابتنا. ورسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك فنحن إن شاء الله حماة الدين وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين ونسأله سبحانه السداد والتوفيق". (واس). جاءت هذه الكلمات الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، خلال افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى في 13 ديسمبر 2017م، معبرةً بكل وضوح عن سمو القيم والمبادئ والمنهج القويم الذي قامت عليه الدولة السعودية قبل ثلاثة قرون، وسار على ذلك وعمل به أئمتها وملوكها الكرام على مدى عقود عديدة حتى وقتنا الحاضر.
نعم، قامت هذه الدولة المباركة -المملكة العربية السعودية- على قيم ومبادئ سامية ورصينة ومتينة مُستمدة من المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية؛ القرآن العظيم، وسنة رسولنا ونبينا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. وانطلاقاً من هذه الأسس الزكية التي تدعو للسمو والرفعة والرقي في جميع المجالات وعلى كل المستويات، انطلقت مسيرة البناء والتنمية والتحديث على أسس فكرية صحيحة في محتواها، وسليمة في مبتغاها، وواضحة بشدة في أهدافها المراد تحقيقها، حتى تمكنت -بفضل الله، ثم بفضل ملوك ورجالات الدولة- من أن تتقدم في التصنيفات العالمية لتصبح عضواً فاعلاً ومؤثراً في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، بالإضافة لكونها الدولة الرائدة والقائدة للعالم الإسلامي مترامي الأطراف ومتعدد المذاهب والأعراق.
وإذا كانت هذه النتائج العظيمة التي حققتها المملكة في سياستها الدولية والعالمية مشهودة، وتدعو جميع العرب وكل المسلمين للفخر بما حققته بصفتها خادمةً للحرمين الشريفين ومهبطاً للوحي الشريف، فإن هناك نتائج أعظم استطاعت المملكة تحقيقها في سياساتها المحلية والداخلية مما جعلها من أكثر دول العالم أمناً وأماناً وسلماً اجتماعياً، ومن أفضل دول العالم استقراراً اقتصادياً ومادياً ومالياً، ومن أسرع دول العالم تنميةً وبناءً وتحديثاً، وبأن يكون أبناؤها من أكرم وأرقى شعوب العالم في حسن تعاملهم وسمو أخلاقهم وسلوكياتهم. نعم، لقد استطاعت المملكة خلال عقود عديدة من أن تتميز على جميع المستويات السياسية داخلياً وخارجياً، وتمكنت من أن تتقدم وترتقي في معظم المجالات الإنسانية والعلمية والصحية وغيرها من مجالات؛ وكل ذلك تحقق للمملكة وشعبها الوفي بفضل تبني الدولة الكريمة للطروحات الفكرية المعتدلة المُستمدة من تعاليم الدين الإسلامي العظيم الذي يدعو للنهضة والتطور والتنمية والإبداع والبناء على جميع المستويات ويشمل جميع المجالات المعلومة وغير المعلومة للإنسان.
فإذا كانت هذه سيرة ومسيرة المملكة في رحلتها المباركة للنهضة والتطور منذ أن تأسست وحتى وقتنا الحاضر، الذي يشهد بمكانة المملكة المتميزة محلياً واقليمياً وعالمياً، فلماذا تصدر أصوات خارجية تتناسى هذه المكانة العالمية للمملكة لتدعي أن نهضة وتطور المملكة مرهون فقط بمحاربة الفكر المتطرف! فإذا تغافلنا عن حقيقة مكانة المملكة المتقدمة داخلياً وعالمياً تماشياً مع أطروحات المتغافلين، فيجب هنا أن نتساءل عن أي تطرُف يتحدث هؤلاء المُتغافلون؟ فإذا كان المقصود بالتطرف ذلك الطرح الإقصائي الذي تبنته عناصر وشخصيات وجماعات ادعت التدين وتلبست لباس الدين الإسلامي وتسمت به، فإن الواقع يقول بأن تلك الممارسات المتطرفة التي تبنت سلوكيات إجرامية ومارست الإرهاب لم تستطع وقف مسيرة النهضة والتنمية والتحديث والبناء وذلك لأن الدولة والمجتمع وقفوا بحزم وعزيمة وصلابة في وجه التطرف الفكري والسلوكيات الاجرامية حتى تمكنوا من القضاء عليها وعلى جميع عناصرها وأدواتها الإرهابية. أما إن كان المقصود بالتطرف ذلك الطرح الإقصائي أياً كان مصدره الفكري سواء كان سياسياً، أو دينياً، أو مذهبياً، أو اجتماعياً، أو غيره من توجهات متطرفة، فإن كل هذه الطروحات الفكرية المتطرفة والاقصائية لم تتمكن من تعطيل مشاريع الدولة التطويرية والتنموية، ولم تستطيع اختراق صف ووحدة المجتمع السعودي المُخلص لدولته والوفي لملوكه الكِرام.
ومع يقيننا الثابت بأهمية الاستمرار في مواجهة الفكر المُتطرف والقضاء على الطروحات الإقصائية أياً كان مصدرها، فإنه من الواجب أيضاً الاستمرار في دعم التوجهات الفكرية المعتدلة التي تنادي بمحاربة التطرف الفكري وتنادي بالوسطية الصحيحة والسليمة التي تبنتها الدولة منذ أن تأسست وما زالت. نعم، إنه من الواجب الوقوف مع الدولة في مواجهة الفكر المتطرف والطروحات الاقصائية سواء تلك التي تريد توظيف واستخدام الدين لتمرير أفكارها الهدامة، أو تلك التي تريد الانحراف بقيم المجتمع لتمرير أطروحاتها الاقصائية لأن خطرها عظيم على أمن وسلامة المجتمع إن تمكنت من تنفيذ مخططاتها الهدامة.
وفي الختام من الأهمية القول بأنه من الخطأ الاعتقاد بأن التطرف ليس له إلا شكل واحد كما يعتقد البعض، وإنما التطرف له أشكال عدة تبدأ من تجاوز حدود الاعتدال والوسطية حتى تصل إلى مرحلة الغلو التي بدورها تقود إلى سلوكيات إجرامية وممارسات إرهابية تُهدد أمن وسلم واستقرار المجتمع. وبما أن المملكة تمكنت خلال تاريخها المديد من السير بخطى ثابتة نحو النهضة والتطور والنمو، وتجاوزت، بقيمها ومبادئها السامية وبحكمة قيادتها الرشيدة، المعوقات والتحديات الساعية لتعطيل مسيرة البناء والتحديث، فإننا أمام مرحلة تاريخية جديدة من مراحل النهضة والبناء تتطلب منا جميعاً العمل بالتوجيهات الكريمة التي جاءت في كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، لنتمكن من تحقيق الأهداف المنشودة، ولنصل للغايات والنتائج المرجوة، بالارتقاء بمكانة المملكة لتكون في مصاف دول العالم المتقدمة اقتصادياً وصناعية وتقنيناً وتكنولوجياً.
نقلا عن الرياض