بالانضمام الرسميِّ لدولة كازاخستان إلى ما يُسمَّى (اتفاقات أبراهام)، التي ترعاها الولايات المَتَّحدة نيابةً عن إسرائيل، جَلَسْتُ أتأمَّل هذه الاتفاقات، التي لو بُعِثَ النبيُّ إبراهيمُ -عليهِ السَّلامُ- من مرقدِهِ الشَّريف، ورآها وهي مُصاغة باسمهِ، لاحتجَّ عليها؛ لكونها قائمةً على الخديعةِ والهيمنةِ، ومُنحازة إلى المحتلِّ القويِّ على حساب صاحب الأرض الضَّعيف!.لقد وُلِدَت هذه الاتفاقات في غرفِ السياسة الأمريكيَّة والإسرائيليَّة المُغلقة في الكونجرس والكنيست، وليس في قلوب المؤمنِينَ بالسَّلام الحقيقيِّ، وهي وإِنْ سُمِّيت باسم إبراهيم -عليهِ السَّلامُ- لكنَّها تخالفُ نهجَه القَويم، وتجعل من الظلمِ تطبيعًا، ومن الاستسلامِ واقعيَّةً، ومن القهرِ شراكةً!. وإبراهيمُ -عليهِ السَّلامُ- كانَ نبيَّ الضيافة، وكان يذبحُ العجل الحنيذ لأضيافهِ من الإنس والملائكة، وهو لا يطردُ ولا يُهجِّرُ أحدًا من موطنه، ولا يُبيد جماعيًّا، ولا يُطهِّر عِرْقيًّا، مثلما تفعل إسرائيل، وهو نبيُّ الوصل الإنسانيِّ وليس الفصل العنصريِّ، فكيف يُعقل أنْ يُستخدَم اسمه لتبرير اغتصاب أرض قُدِّست في كلِّ الكتب السماويَّة؟ وكيف يوافق على هكذا اتفاقات، والأطفالُ والنساءُ والرِّجالُ في غزَّة والضفَّة يُقتَلُونَ بدمٍ يهوديٍّ باردٍ؟ والمساكنُ تُهدَّم؟ وأشجار الزَّيتونِ تُقتلَع؟ والمسجدُ الأقصَى يُدنَّس كلَّ يومٍ؟ وسيقول إنَّ السَّلام لا يمكن أنْ يُفرَض بالقوَّةِ لصالح أحفاد حفيدِهِ يعقوب -عليهِ السَّلامُ- دونَ صالح أحفاد ابنه إسماعيلَ -عليهِ السَّلام- وأنَّ العدل هو أساسُ السَّلام.
والسَّلامُ الإبراهيميُّ فيما لو حصل، فلا ينبغي أنْ يكون صفقةً اقتصاديَّةً وسياسيَّةً وعسكريَّةً، تمهِّد الطَّريق لهيمنةٍ غربيَّةٍ وصهيونيَّةٍ، بل تفاهمٌ إنسانيٌّ يرتكزُ على العدل في الأرض، والسَّماح بإقامة الدولة العربيَّة والمسلمة لأحفاد إسماعيل -عليهِ السَّلامُ- وغير ذلك ستكون الاتفاقات إبراهيميَّة بلا إبراهيم نفسه، وسلام مُزيَّف بلا رُوح، واتفاقات بلا ضمير، وأقرب إلى لعنة باسم أبي الأنبياء، وهُو منها بريءٌ براءة الذئب من دم حفيده يوسف -عليهِ السَّلامُ-!.
وسيختم إبراهيمُ -عليهِ السَّلامُ- حُجَّته بالقولِ إنَّه لم يكن أبدًا يهوديًّا ولا نصرانيًّا، بل كان حنيفًا مسلمًا، وَمَا كَانَ مِن المُشرِكِينَ؛ كَي يُقحمَ اسمَهُ في اتفاقاتٍ مَا أنزلَ اللهُ بهَا من سلطانٍ، وتلك حُجَّته للعالم كلِّه، للهِ ثمَّ للتَّاريخِ!.

