في وجود هذا التدفق المعلوماتي الهائل وفي ظل الأحداث المتلاحقة والمتسارعة ينبغي القول إن السياسة أصبحت في حياة الإنسان العربي خبزا يوميا ولا يمكن البعد والابتعاد عن متابعة وملاحقة الأحداث السياسية وقراءة هذه الأحداث بذاكرة لاقطة وحاذقة وبوعي حاد وجاد ولا يمكن الهروب عما يحدث اليوم في العالم العربي من تحولات كبيرة تاريخية تمس حاضر ومستقبل الدولة الوطنية والأمة على حد سواء.
ومن هنا، فإن القول بأن المثقف لا شأن له بالسياسة هو أمر من الغباء والسذاجة ذلك أن الثقافة السياسية داخلة في مفهوم الثقافة كرؤية شاملة ولذلك فإن الاهتمام بالسياسة لا بد أن يكون أمرا مهما في جدول أعمال المثقف ومن أولويات اهتمامات وهموم الكاتب وإلا فإن هذا الكاتب وهذا المثقف إما أن يكون فهمه لدوره ناقصا ومنقوصا أو أنه يفتقر إلى المعرفة الثقافية والسياسية التي تسعفه في فهم وقراءة الأحداث ومتابعتها وربط هذه الأحداث بسياقاتها المختلفة وربط كل خيط من خيوط هذه الأحداث بما يدور من رسم سياسات ورسم خرائط وخطط في أذهان المنظرين والمخططين السياسيين في دوائر الدول الكبرى.
إن السياسة كما قلت خبز يومي وهي تمس حياة كل فرد في المجتمع من أستاذ الجامعة .. إلى أصغر فرد في هذا المجتمع في حياته ومعيشته وكل حدث سياسي سواء أكان هذا الحدث في محيط الدولة التي ينتمي لها أو كان له ظلاله وانعكاساته على الواقع العربي، هو بالمقابل يمس الواقع السياسي والاجتماعي الذي تنتمي إليه، ذلك أن السياسة هي عالم متشابك ومتداخل وبقدر ما هو مكشوف وواضح، هو عالم معقد ومرتبط بقضايا ومسائل متشابكة ومتداخلة وهناك فرق بين الثقافة السياسية والاشتغال بالسياسة من ناحية عملية ومهنية والمتابعة السياسية، ثمة فرق أيضا بين المعرفة السياسية كونها معرفة وتخصصا علميا وبين أن تعرف ما يدور حولك، وينبغي أن تعرف هذا الذي يدور حولك والذي يحاول الكثيرون أن لا يعرفوا عنه شيئا.
ذلك أن هناك من يتهرب من صداع السياسة ويحاول عدم الاقتراب من نارها حتى لا يكتوي بها وفي الماضي القريب الذي يمتد لخمسين عاما مثلا كان الحديث في السياسة اقتراب من المحرمات، بل كان التفكير السياسي نوع من التفكير المحرم وفريضة غائبة، لذلك ظل الفكر السياسي والثقافة السياسية غائبة في حياتنا نتيجة لاعتقاد الأكثرية أنها الفريضة الغائبة والتفكير المحرم.
لابد من وجود وعي سياسي وهذا الوعي ضرورة لأنه يمنح الإنسان فهما لما يجري ولما يدور والثقافة السياسية بقدر ما هي قيمة معرفية هي قيمة ذهنية وعقلية، نحن بحاجة إلى ثقافة سياسية ووعي وفهم لما يحدث من حولنا لأن ذلك حاجة وضرورة أيضا.
نقلا عن عكاظ
