لم يخب ظن السعوديين في جهاز حكومي أو وزارة كما هي خيبتهم في الهيئة العامة للاستثمار، فما بين مدن اقتصادية 'افتراضية' ووعود باستقطاب مئات المليارات من الدولارات، وصولا إلى إنهاء معضلة البطالة عبر توفير مليون وظيفة بالاستثمار في تلك المدن الاقتصادية، كل ذلك كان حبراً على ورق.. كل ذلك كان صرحا من أحلام ووعود و.. خيال فهوى.
من غير المبالغة القول إن أمام رئيس الهيئة الجديد المهندس عبد اللطيف العثمان، مهمة لن يجد أسهل منها أبدا، وهو القادم من شركة بحجم 'أرامكو'، فالتركة التي سيتسلمها تشير إلى أن الهيئة لم تقدم ولو جزءا يسيرا مما وعدت به، وهو هنا متى ما حقق نصف تطلعات وأهداف الهيئة، لا جميعها، سيكون قد حقق إنجازا هائلا ما بعده إنجاز.
هناك ملفات أساسية لا مفر للعثمان من مواجهتها بحسم ولو عن طريق العلاج بالكي، الأول: جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي بصورة فعلية، وهو الدور الذي لا تقوم به الهيئة بقدر ما تقوم به جهات أخرى مثل 'أرامكو' و'سابك' والهيئة الملكية للجبيل وينبع، والملف الآخر هو خلق وظائف جديدة عبر استقطاب الصناعات التحويلية بدلا من زيادة حجم العمالة الوافدة التي ازدهرت تجارتها، فليس معقولا أن تمنح رخصة للمستثمر الأجنبي الذي يحمل رأس مال لا يتجاوز نصف مليون ريال، وهو ما تسبب في تحول العمالة الوافدة إلى مستثمرين أجانب في مشاريع صغيرة منافسة للسعوديين. بالتأكيد أيضا ينتظر من العثمان إعادة الثقة بهيئة الاستثمار، التي غرّبت وشرّقت، وفي نهاية الأمر لم تستطع حماية المستثمرين المحليين من شيوع الرشوة في تعاملاتهم، وهو ما أكدته دراسة بأن 68 في المائة من المستثمرين يلجأون إلى الرشوة وأساليب الغش والتحايل لإنجاز معاملاتهم لدى الجهات الحكومية.
على قدر التفاؤل الذي عمّ المجتمع السعودي عند الإعلان عن المدن الاقتصادية وما تحمله من هدف استراتيجي بحملها لواء التنوع الاقتصادي، وإنشائها صناعات وخدمات تنافسية جديدة، بقدر ما فشلت هذه المدن، التي لم تنشأ أصلا، في الوصول ولو لنسبة ضئيلة في تقليل اعتماد السعودية على إيرادات النفط، نذكر هنا أننا لا نعرف مَن المسؤول تحديداً عن هذا الملف، هل هي هيئة الاستثمار أم وزارة التخطيط؟ وهذه مشكلة أخرى نعانيها في ازدواج المهام والمسؤوليات في بلادنا.
الإرث الذي سيحمله ابن 'أرامكو' عبد اللطيف العثمان، وهو يتقلد رئاسة الهيئة العامة للاستثمار، إرث لا مجال للجدال بشأن ثقله، وأمام العثمان من الوقت ما يكفيه للخروج من عباءة ذلك الإرث، والتوجه بالهيئة إلى مسار جديد ينقلها من حال إلى حال. العثمان متى استطاع الخروج من الدائرة التي أدير بها فكر الهيئة في مراحلها السابقة فسيتمكن من تحقيق تطلعات من وضع الثقة به، الخوف أن يأتي رئيس جديد ويُدار العمل بالفكر القديم نفسه!
نقلا عن الاقتصادية