ظلّ الحديث طويلا، عن خطورة اختراق المناهج الدينية خلال العقدين الماضيين. بعض الدول انتبهت للخطر واتجهت لتغيير المناهج وتطويرها وتحصينها من الاختراق الأيديولوجي، مثل الإمارات التي أخذت على عاتقها تنقية المناهج وتمشيطها والبحث عن الثغرات والفتاوى الدموية. هناك أبحاث كثيرة تحدثت عن أخطاء المناهج، بدأها الأستاذ حسن بن فرحان المالكي مروراً بورقة الأستاذين إبراهيم السكران، وعبدالعزيز القاسم، قبل أن ينقض بعضهما على أفكاره لأسباب شخصية أو آيديولوجية!
في بعض المناهج، تكفير وتفسيق وأفكار غريبة تعشش بين دفتي الكتاب المقرر في المدارس، والأدمغة تُحشى بهذه الأفكار الملغمة حتى تنفجر بالمجتمع بغتة ونحن لا نشعر.
وزير التعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد وجه انتقادات قوية وضرورية للمناهج التعليمية، في اللقاء الذي نظمته الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)، بعنوان: «رؤيتي لتطوير مناهج التربية الدينية»، ومما قاله: "لسنا ملزمين بفتوى معينة، فالزمن مختلف وكل رجل - كما قال الإمام مالك - يؤخذ من رأيه ويرد إلا صاحب هذا القبر، وهو يشير إلى قبر رسول الله. ابن باز رشح لي ثلاثة علماء ليعيدوا صياغة المناهج الدينية، وبعد موافقتهم عادوا ليعتذروا عن التصدي لهذا الأمر. لا ينبغي شغل الطالب في التعليم العام بدرس الخلاف في فروع اجتهادية، ويجب أن تقف المناهج بدافع روح السماحة والبعد عن التشدد، حتى تتشبع روح الطلاب باحترام الاختلاف مع غيرهم، وأن ينشأ الطالب على المرونة الفكرية وقبول الآخر، فنحن لا نستطيع أن نعيش في عزلة عن غيرنا، وحسن التعامل من صور التواصل البشري التي قد تدعو غيرنا إلى الإسلام لأن المناهج الدينية الحالية لا تربي النشء بل إنها قد تنزل بعقولهم".
حديث الوزير الأسبق، عن مشكلة المناهج وهو الذي كان يمكن أن يغيّرها في وقته يدل على أن مشكلة المناهج مستعصية وجذرية ولها علاقة بالثقافة والمجتمع. المناهج أكبر من الوزير الآتي والوزير الذاهب، والتعليم من ألصق المجالات التي ترتبط بالمجتمع بشكل كبير. ردود الفعل على كل أمر يمسه التعليم تأتي قوية وكبيرة دائماً. منذ افتتاح مدارس تعليم الأبناء التي عورضت وصولاً إلى معارضة تعليم البنات وإلى الاعتراض على دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة التربية والتعليم.
من يريد أن يغير في التعليم والمناهج عليه أن يُكوِّن رؤية واضحة للتغيير الذي يريده، ولنا في الدول القريبة أو البعيدة التي مشّطت المناهج وغيرتها أسوة حسنة. كل الوزراء يشكون من سوء المناهج، لكن... من الوزير الذي ستتغير المناهج في عهده؟!


