بعد نكسة حزيران 1967م كان البعض من الثوريين واليساريين العرب ينظرون من مواقعهم المترفة والباذخة للمجتمعات العربية، طالبين منها ان تواجه الآلة العسكرية الصهيونية دون أن يكون لهم دور عملي في تلك المقاومة الشعبية، بل يكتفون بدور المحرض على أخذ الثأر للأمة على أيدي أفراد تلك الطبقة الفقيرة، أو المهمشة، بل إن عددًا من رموز اليسار -آنذاك- هم الأكثر تهالكًا على الألقاب الارستقراطية، وبعضهم لا يتردد في الهرولة نحو جوائز المؤسسات الغربية، وبعضهم -للأسف- كانوا ينتمون رسميًّا لبعض المؤسسات الفلسطينية، وذلك عندما كانت القضية الفلسطينية هي الهمّ اليومي لأمة الإسلام والعروبة، ثم أصيب الجسد العربي بكثير من السهام القاتلة، فكانت مأساة احتلال البلد العربي العراق، البلد الذي دفع ثمن ذلك الشحن الذي مارسه بعض المتطرفين أيضًا، واستجابت له تلك العقول "الطرية"؛ لتقوم بغزواتها في بلاد الغرب، بينما بقي المنظِّرون في كهوف أفغانستان مختبئين خوفًا على أنفسهم وأبنائهم.
استمر المنظّرون في دورهم طوال حقبة الاحتلال الأمريكي البغيض، فنفر الشباب من دون معرفة آبائهم وأمهاتهم، بل ومن دون إذن ولاة الأمر وهو مطلب ضروري، بل أوّلي وشرعي ومقاصدي، فكان أقصى ما تتطلع إليه الأمهات الثكالى، والزوجات المترملات أن تصل إليهن من ديار المعركة جثث أبنائهن أو ازواجهن ليلقين عليها نظرة الوداع، دون أن نسمع أن تلك الأصوات المحرضة، أو المجيشة قد دفعت بأبنائها للصفوف الأولية في الميدان، بل وصل الأمر بأن وسائل الإعلام العربية لم تكن لتجرؤ على سؤال تلك العقول المنظّرة: لماذا لا يكونون هم في الخطوط الأولى للمعركة؛ ليضحوا القدوة والمثال لغيرهم، والأمر نفسه يتكرر في المشهد السوري، حيث يعيش ذلك البلد العربي مأساته منذ أمد مع نظام طائفي بغيض وحاقد.
لقد ارتفعت الأصوات نفسها منادية بالنفير، مع أن الأصوات الحكيمة في تيار المقاومة السورية كانت صريحة في وجوب وقف هذا التجييش. فلقد أكد عضو مجلس الائتلاف الوطني د. عبدالكريم بكار بأن دخول الإخوة المجاهدين من خارج سوريا أضر بالثورة، وسيلحق بها المزيد من الضرر. والضرر أكثر عندما تلقى خطبة عصماء في بلد عربي، ثم تحلّق بك الطائرة ليس على أبواب مدينة حمص وحلب، بل على تخوم حديقة الهايد بارك.
نقلا عن المدينة
